للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكل إنسان يبدو له يوم القيامة أنه قد غبن فى حياته الدنيا، سواء أكان فى المحسنين أم فى المسيئين.. أما المحسن، فلأنه لم يزدد فى إحسانه، وهو يرى فى هذا الموقف- موقف الحساب والجزاء- أن كل ما عمله من أعمال حسنة هو قليل- وإن كثر- بالنسبة لما يطلبه، ويتمناه فى هذا الموقف، الذي يحتاج فيه الإنسان إلى رصيد عظيم من الأعمال الصالحة، حتى يلحق بالسابقين الذين سبقوا إلى الجنة، ولم يقفوا موقف الحساب، بل طاروا إليها طيرانا.

وأما المسيء فإنه يرى أنّه ظلم نفسه ظلما مبينا، إذ أطلق العنان لشهواته وأهوائه، وأنه باع نجاته وسلامته بثمن بخس، لا يعدو أن يكون ساعات من اللهو واللعب.

وهكذا يرى كل إنسان يومئذ، أنه على حال غير محمودة عنده، وأن أمورا كثيرة كان يمكن أن يأخذ فيها وضعا آخر غير الوضع الذي أخذه فى الدنيا..

إنه يوم تكثر فيه الحسرات، وزفرات الندم، وصرير الأسنان! قوله تعالى: «ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفّر عنه سيئاته ويدخله جنّات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم» .

هو تعقيب على هذا الوصف الذي وصف به يوم القيامة، بأنه يوم التغابن، ويراد بهذا التعقيب دفع ما يقع من وهم يجعل من هذا اليوم يوم سوء للناس جميعا، وأنهم جميعا واقعون تحت مشاعر الغبن، التي من شأنها أن تملأ النفس حسرة وألما.. فجاء قوله تعالى: «ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار» - جاء هذا، ليقيم نفوس المؤمنين الذين عملوا الصالحات على الرضا، والحمد، لما هداهم الله إليه من الإيمان، ولما وفّقهم إليه من أعمال صالحة، وأنه لا بأس عليهم من هذه الأعمال السيئة الّتى عملوها إلى جانب الأعمال الصالحة، الّتى يسوؤهم أن يروها فى يومهم هذا،

<<  <  ج: ص:  >  >>