للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما لماذا وضعهم الله بهذا الموضع، وسلك بهم هذا المسلك، وأرادهم للشر، وعاقبهم عليه، فهذا شأن آخر، وتلك قضية أخرى، ومقطع القول فيها، هو قوله تعالى: «لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ.. وَهُمْ يُسْئَلُونَ» (٢٣: للانبياء) ..

وقوله تعالى: «وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ» هو دعوة إلى الإيمان، يستجيب لها كل من يسّره الله للإيمان، وهداه إليه، وشرح صدره له، بإرادة من الله سابقة، وقضاء قضاه..

فالمطلوب من الإنسان، هو أن يستجيب للهدى، وأن يتجه نحو الخير، غير ناظر إلى قضاء الله فى شأنه.. فإن كان ممن أرادهم الله للإيمان، أخذ بيده إلى طريق الإيمان، بعد أن يتجه هو إليه، ويضع قدمه على أول الطريق إليه..

وأما إن كان من أهل الكفر، فلن تنطلق من نفسه تلك الشرارة الّتي تنقدح من زناد الرغبة والإرادة.. فى الاتجاه نحو الإيمان.

إن على الإنسان أن يأخذ بالأسباب، وأن يعمل جاهدا بما اجتمع بين يديه منها، فإذا أخذ بالأسباب المتصلة بأمر من الأمور، فقد أعذر لنفسه.. كالزارع، يمهد الأرض، ويبذر الحب، ويسوق الماء إلى ما زرع، ثم لا يخرج زرع، أو يخرج، ثم تغتاله آفة! إنه معذور عند نفسه، لا يكثر ندمه عند ما يرى غيره يحصد ما زرع.. أما الذي لم يزرع أصلا، فإن الحسرة تملأ قلبه، حين يرى الّذين زرعوا يحصدون! وقوله تعالى: «وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» - هو دعوة إلى إخلاص النيات، فى الاتجاه إلى الله، والإيمان به.. فإن لهذه النيات السليمة المخلصة وزنها، وقدرها، وإن لم تبلغ بصاحبها ما يريد.. أما من يتجه إلى الله اتجاها فاترا ملتويا، يقدّم رجلا، ويؤخر أخرى، فإن النية القائمة وراء

<<  <  ج: ص:  >  >>