للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الأمر أمرا آخر، إذ نظر إليه على ضوء القسم الذي سبقه.. فإن التبكير بقطع الثمار وحصاد الزرع، وإن كان أمرا مألوفا، فإنه في صحبة القسم، يصبح ذا دلالة خاصة، غير تلك الدلالة العامة، وهو أنهم يريدون بهذا التبكير، المبادرة إلى إنجاز الأمر قبل أن يفضحهم النهار، وتأخذهم أعين الفقراء والمساكين.

قوله تعالى:

«وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ» ..

أي أنهم أحكموا أمرهم، وأخذوا طريقهم إلى تنفيذه، واجتمعت بين أيديهم الوسائل الممكّنة لهم منه.

فهاهم أولاء قد استيقظوا مبكّرين، وما زال الناس نياما، وهاهم أولاء قد أوشكوا أن يبلغوا جنتهم دون أن يتنبه إليهم أحد، أو يتبعهم مسكين..

والحرد: القصد، والوجهة التي يأخذها الإنسان لغايته.. ومنه قول الشاعر.

سيل جاء من عند الله ... يحرد حرد الجنة المغلة

والمعنى أنهم، وقد أخذوا طريقهم إلى جنتهم، خيل إليهم أنهم قادرون على القصد الذي قصدوا إليه، وإنجاز الأمر الذي دبروه، دون أن يحول بينهم وبينه حائل.. وما دروا أن يد الله قد سبقتهم إليه، وأنه قد حيل بينهم وبين ما يشتهون..

قوله تعالى:

«فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ» أي أنهم حين انتهى بهم الطريق إلى حيث كانت جنتهم، طلع عليهم هناك منها ما جعلهم ينكرونها، وينكرون أنفسهم حيالها.. إنها ليست جنتهم!!

<<  <  ج: ص:  >  >>