فالمسلمون هنا فى قوله تعالى:«أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ» يحققون بإسلامهم معنى التقوى فى أصدق مقاماتها، وأعلى منازلها.. وحسبهم أن يكونوا مسلمين ليضفى عليهم هذا الاسم صفة المؤمنين المتقين..
ومن جهة أخرى، فإن كلمة «المسلمين» فيها معنى السلام، والسلامة، وخلوّ الإنسان مما يؤاخذ عليه..
فإذا وقعت المقابلة بين المسلمين والمجرمين، وطلب إلى المشركين أن يجيبوا على هذا السؤال: أفنجعل المسلمين كالمجرمين؟ لم يكن لهم أن يشغبوا، وأن يجدوا مهربا من الجواب الذي يقهرهم الواقع على النطق به.. فإنهم لو قالوا: نعم، نسوى بين المسلمين والمجرمين، فإن المسلمين الذين استجابوا لمحمد، هم فى نظرنا مجرمون- إنهم لو قالوا هذا لوجدوا من يسفّه رأيهم.. لأنهم حكموا فى قضية غير القضية التي دعوا إلى قولهم فيها.. إن القضية ليست بين الإسلام والشرك، وإنما هى بين أهل السلام، وبين المجرمين.. فهل يسوّى بين البريء والمجرم؟
ولهذا جاء قوله تعالى:«ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ» منكرا عليهم أن يقولوا بهذه التسوية بين المسلمين والمجرمين.
ولو أنه لم يكن لكلمة المسلمين، هنا، منصرف إلى معنى آخر غير معناها الديني الذي هو علم على أتباع محمد- لو أن ذلك كان كذلك، لما كان هناك وجه للاعتراض على المشركين فى تسويتهم بين المسلمين والمجرمين، لأن ذلك- على ما فيه من ضلال وسفه- هو رأى المشركين فى المسلمين.
وعلى هذا فلا يكون لقوله تعالى:«ما لَكُمْ؟ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟» متوجه إليهم، لأنهم حكموا بما يعتقدون.. فلا يطلب منهم- والأمر كذلك- أن يقولوا غير ما قالوه- وإن كان ضلالا، وزيفا!!