فالضرّ، ظاهر، يخفى وراءه الهوى، والضلال، والشرك.. والرشد باطن، يفوح منه طيب الخير، وتهمى من سمائه غيوث الرحمة والإحسان..
أو بعبارة أوضح نقول: إن الضرّ فرع غاب أصله، والرشد أصل غاب فرعه.. فالضرّ ثمر كريه مرّ حاضر، لا تكاد تقع العين عليه حتى تعرف الشجرة التي أثمرته..
والرّشد، شجرة طيبة مباركة.. يكفى أن تقع العين عليها فتعرف الثمر الطيب الكريم، الذي تجود به.. أو نقول: إن المقابلة هنا بين المسبب، وهو الضرّ، وبين السبب لما يقابله وهو الرشد الذي مسبّبه الخير..
وهكذا فى كلمتين، يتجلى وجه من وجوه إعجاز القرآن.. ففى المقابلة بين هاتين الكلمتين: الضرّ، والرشد، تتحرك المعاني المولدة منهما، ويقابل بعضها بعضا، فتتآلف منها صورة معجزة، الكلمة القرآنية، التي لا ينفد لها عطاء.
وعلى وجه الرّشد، تتألق عرائس الخير، وتتهادى حور الجنان وولدانها.
وهنا سؤال، وهو: لماذا آثر النظم القرآنى، المقابلة بين الضرّ والرشد، على المقابلة بين الكفر، والخير، أي المقابلة بين مسبب وسبب، دون المقابلة بين مسبّب ومسبب، أو بين سبب وسبب؟
ونقول- والله أعلم- إنه فى جانب الضرّ أغفل السبب الوارد منه هذا الضرّ، وهو الكفر والشرك، وأقيم المسبّب- وهو الضرّ- مقامه، ليرى الشرك والكفر فى ثمرتهما المرّة النكدة التي أثمراها..