وأما فى جانب الرّشد، فقد أغفل المسبب عنه، وهو الخير، والنعمة والسلامة والعافية، وما أشبه هذا مما يسعد به الإنسان فى الدنيا والآخرة، وأقام السبب مقامه، وذلك للتنويه بالرّشد فى ذاته، وأنه وحده خير، وخير كثير، وأنه يجب أن يكون مطلوبا لذاته، غير منظور إلى الخير الذي يجىء منه.. إنه فى ذاته خير، فلا حاجة إلى النظر فيما وراءه.
والنبىّ- وهو رسول الله، والحامل لرسالته، والداعي إليها- هو فى قبضة الله، وتحت سلطان مشيئته.. وأنه لو أراد الله ضرّه، فليس هناك من يدفع عنه هذا الضرّ، وليس له من ملتحد، أي ملجأ يلجأ إليه، فرارا من هذا الضرّ الذي هو رهن بمشيئة الله..
إنه لا محاباة عند الله، حتى ولو لرسول الله- وإنما الناس عند الله بأعمالهم، وما هم عليه من إيمان وكفر، ومن تقوى وفجور.. والله سبحانه وتعالى يقول:«إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ»(١٣: الحجرات) أي أشدكم خوفا من الله، ومراقبة له، واتقاء لحرماته.. ولما كان رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، هو أتقى الأتقياء، كانت منزلته عند الله أعلى المنازل وأكرمها، فهو مطمئن إلى ماله عند الله من مقام كريم، وأجر عظيم..
قوله تعالى:
«إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً» هو مستثنى من قوله تعالى: «قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً» فهو بمعنى لا أملك لكم من الله شيئا، إلا هذا البلاغ الذي أبلغكم به من الله، وإلا هذه الرسالات التي أحملها إليكم فى آيات الله.. فهذا هو