شيئا لغدها، كما يقول سبحانه عن أصحاب هذه النفوس التي استنفدت كل جهدها فى الحياة الدنيا:«أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ»(٢٠: الأحقاف) والمخاطبون بقوله تعالى: «كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ» هم المشركون، والكافرون، وأصحاب الضلالات، الذين كفروا بالحياة الآخرة وأخلوا مشاعرهم من التعلق بها، والإعداد لها..
وقد حسنت مواجهة المنكرين للبعث، الذين يؤثرون العاجلة، ويذرون الآخرة- حسنت مواجهتهم فى هذا المقام، الذي يكشف عن أنفسهم، وهم فى مواجهة الرسول صلوات الله وسلامه عليه، وحبه لعاجل الأمور فى مقام تفصيل الخير، والاستزادة من العلم.. فهذا مقام، وذاك مقام، وإن اشتركا معا فى أن حبّ العاجلة قسمة بينهما..
وفى هذه المفارقة البعيدة، يرى المشركون مدى استغراقهم فى الضلال، وأنهم إنما ينهون عن الاستزادة من المنكر، والضلال، على حين ينهى غيرهم عن الاستزادة من الخير والإحسان، حتى لا يشق على نفسه، ولا يكلفها فوق ما تطبق.. فالرسول يدعو إلى شريعة قائمة على السماحة ورفع الحرج، وإنه لأولى عباد الله بالأخذ لنفسه من سماحتها ويسرها..