وفى عرض أصحاب الجنة يومئذ بما يكشف عن وجوههم وحدها، هو عرض لحالهم جميعها، ظاهرها، وباطنها، حيث تبدو على الوجه أحوال الإنسان، وما يكون عليه من نعيم أو شقاء، ومن طمأنينة أو جزع..
ونضارة الوجوه، تحدّث عن النعمة التي يعيش فيها أصحابها، وعن الخصب والخير الذي يحفّ بهم، حتى لقد فاضت الوجوه نضارة وبشرا، وحتى لكأنها الزهر المتفتح على أنسام الربيع فى روض أريض.
وقوله تعالى:«إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ» أكثر المفسرون من المقولات التي تقال فى تأويل الوجوه الناظرة إلى ربها، وهل فى الإمكان رؤية الله؟ إن الرؤية معناها تحديد المرئىّ وتجسيده، والله سبحانه منزه عن التحديد والتجسيد.. فكيف يمكن رؤيته؟
وهذه قضية استنفدت كثيرا من جهد العلماء، من المتكلمين وأهل السنة، ولو أنصف هؤلاء وهؤلاء عقولهم، لأمسكوا بها عن الخوض فى لجج هذا البحر الذي لا ساحل له، فإن عقولنا تلك، إنما خلقت لهذا العالم الأرضى، ولكشف ما فيه من حقائق، أما عالم الآخرة، فعقولنا بمعزل عنه، فكيف بذات الله سبحانه وتعالى؟ وكيف بعقولنا المحدودة القاصرة يراد لها أن تحتوى هذا الجلال الذي لا حدود له، والذي وسع كرسيه السموات والأرض؟
ولهذا، فإن خير ما يحمل عليه قوله تعالى:«إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ» هو ما ذهب إليه السلف من أن المراد بالنظر إلى الله، هو النظر إلى رحمة الله،