والإنسان هنا، هو جنس الإنسان المكذب بالبعث والحساب والجزاء.
وفى الاستفهام إنكار لموقف هذا المنكر ليوم القيامة، لأنه يظن أن أن يترك سدى، أي هملا، بلا حساب، أو جزاء.. وهذا ظن خاطئ من وجوه:
فأولا: أن العاقل لا يرضى لنفسه أن ينزل إلى مرتبة الحيوان، وأن ينظر إليه نظرة من يعفى من تبعة أعماله، فتلك حال لا يصير إليها الإنسان إلا إذا كان ناقص الأهلية، أو فاقدها..
وثانيا: الإنسان فى هذه الحياة، إذا أحسن عملا انتظر جزاء إحسانه، وتوقع الخير من ورائه، وأنه إذا لم يجد هذا الجزاء، استشعر مرارة الغبن وخفت فى نفسه موازين الإحسان، كما أنه إذا أسىء إليه، توقع أن يؤخذ له بحقه ممن أساء إليه، وإلا تحول إلى حيوان يستعمل مخالبه وأنيابه، مهاجما ومدافعا، فكان لا بدّ من حساب يسوّى عليه ما بين الناس من مظالم..
وثالثا: هذا الاختلاف بين مذاهب الناس فى الحياة، من محسنين ومسيئين، وعاملين، ومقصرين، وأخيار وأشرار، ومظلومين وظالمين- إلى غير ذلك مما يجعل كل إنسان منهم عالما قائما بذاته- هذا الاختلاف الحاد بينهم فى هذه الحياة، لا بد له أن يسوى، فيكون الأخيار فى جانب، والأشرار فى جانب، بعد أن كشفت تجربة اجتماعهم معا فى الحياة عن هذه المتناقضات.. وهذا لا يكون إلا فى عالم غير هذا العالم، وفى حياة غير هذه الحياة.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ، ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ»(٣٥- ٣٦: القلم) ..
وعلى هذا، فإنه أولى فأولى، ثم أولى فأولى لأهل الضلال أن ينزعوا عن