ولهذا كان هذا النداء الكريم الذي بدأت به السورة الكريمة دعوتها إلى الناس جميعا- جامعا تلك المشاعر التي تربط الإنسان بالإنسان، وتضمه إليه، وتؤاخى بينه وبينه..
«يا أَيُّهَا النَّاسُ» النّاس جميعا من كلّ جنس ومن كلّ قوم.
«اتَّقُوا رَبَّكُمُ» فإن تقوى الله، ومراقبته، وملء القلب خشية له، والولاء لجلاله وعظمته- هى ملاك الأمر كله، فى إقامة الإنسان على طريق الحق والخير، وفى الوصول به إلى درجات عالية، فى منازل الكمال البشرى، المتاح للإنسان أن يصل إليه عالم البشر.
«الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ» على تلك الصورة الكريمة التي تتجلّى فيها قدرة الله، وحكمته ورحمته.. فالإنسانية كلها ما ظهر منها وما سيظهر، هى ثمرة بذرة واحدة، أنبتها الله بحكمته، ونفخ فيها من روحه، فأعطت هذا الثمر الكثير، المختلف الألوان، المتعدد الطعوم، المبثوث فى كل أفق.
«وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها» أي وخلق من هذه النفس، ومن مادتها وطبيعتها زوجا لهذه النفس، مقابلا لها، ومكمّلا لوجودها.
والقصّة التي تقول إن «حواء» خلقت من ضلع آدم، هى من واردات الأساطير، وقد أخذ بها معظم المفسّرين، وفهموا هذه الآية الكريمة عليها.
والآية الكريمة لا تعين على هذا الفهم، ولا تسانده.. وإنا إذ ننظر فى قوله تعالى:«وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها» لنجد الضمير فى «منها» الذي يشير إلى النفس الواحدة، لا يقصدها باعتبارها كائنا بشريا هو «آدم» وإنما يشير إليها باعتبارها مادّة مهيأة لخلق البشر، ومن هذه المادة كان خلق آدم، ومن هذه المادة أيضا كان خلق زوجه، التي يكتمل بها وجوده، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى- فى آية أخرى- «وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً»(٨: النبأ) .. وليس هذا فى خلق الإنسان وحده، بل هو التدبير الذي قدّره الله لخلق الكائنات الحية كلها، من حيوان