فهؤلاء المختالون الفخورون، الذين يبغضهم الله، هم الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل.
فقد بخل اليهود بما عندهم من علم الكتاب، وضنّوا به، فلم يقم منهم داعية يدعو إلى دين الله، ويبشر به بين العباد، من غير اليهود.. فكتموا دين الله، وبخلوا به، مع أنه يزداد على الإنفاق والإعطاء نورا إلى نور، وألقا إلى ألق! بل وأكثر من هذا، فإنهم تواصوا بالبخل، ودعا بعضهم بعضا إليه..
وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ»(٧٦: البقرة) .
وكما بخلوا بما عندهم من علم الكتاب، بخلوا بما فى أيديهم من مال، بل إن بخلهم بالمال كان مضرب المثل فى الدنيا كلها، إذ لا يعرف شعب من الشعوب استبدّ به هذا الداء مثل اليهود..
وفى قوله تعالى: يَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ» إشارة صريحة بعد تلك الإشارتين المضمرتين إلى اليهود، وما بخلوا به.. فقد كتموا ما أتاهم الله من فضله من كتاب، فيه هدى ورحمة للعالمين.. ولم يقفوا عند هذا، بل كتموا الدلائل والبشريات التي عرفوها فى كتابهم هذا، عن النبي محمد، وقد كانت تلك الدلائل وهذه البشريات مصباحا يضىء لهم الطريق إلى الدّين الجديد، قبل أن تلوح شعاعات فجره الوليد.. ولكنهم آثروا أن يمسكوا هذه الدلائل بين أيديهم، وأن يكتموا النّاس أمرها، وأن يترصّدوا مطلع النبيّ الجديد، ليسبقوا إليه، ويستحوزوا عليه، ويستخلصوه لهم من دون الناس..
فكان أن حرمهم الله هذا الخير، وأورد الناس جميعا موارده. غير اليهود!!