وهكذا كان الجزاء عدلا وفاقا. مكروا فمكر الله بهم، وأرادوا حرمان الناس، فحرمهم الله.
وفى قوله تعالى:«وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً» خطاب عام بالجزاء الذي سيلقاه كل كافر، وهو العذاب المهين، وأول من يقع عليه هذا الجزاء هم اليهود، الذين كفروا بمحمد وبما فى يده من كتاب الله الذي فى أيديهم خبره..
فهم المواجهون بهذا الخطاب، الذي يتناولهم أولا، ويمتد إلى غيرهم من الكافرين ثانيا..
وقوله تعالى:«وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً» .. هو عطف على قوله تعالى:«الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ» .. فهذا الصنف من الناس كصنف اليهود الذين غضب الله عليهم وأعدّ لهم عذابا مهينا.
فإذا كان اليهود قد بخلوا أثرة وشحّا، فهؤلاء أنفقوا مباهاة ورياء.
وإذا كان اليهود كفروا بالله واليوم الآخر عن علم، فهؤلاء كفروا بالله واليوم الآخر عن كبر وحمق..
وهؤلاء وأولئك قد استقادوا للشيطان ووضعوا أيديهم فى يده، وصحبوه إلى حيث يريد، ولن يريد لهم الشيطان إلا الضلال، ولن يوقعهم إلا فى الهلاك.
وقوله تعالى:«وَماذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً» هو استنكار لموقفهم الذي وقفوه من الهدى والخير، ودعوة مجدّدة لهم إلى الإيمان بالله واليوم الآخر والإنفاق مما رزقهم الله.. فالله من ورائهم محيط، يحصى عليهم أعمالهم من خير أو شر، ويجزيهم على الخير خيرا وزيادة، وبالشر شرا، ويعفو عن كثير.