وقوله تعالى:«وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ» هو استدعاء من الله سبحانه وتعالى للعصاة والمذنبين من عباده الذين آمنوا به، ليتعرضوا لواسع رحمته، وعظيم فضله، فإنهم وقد آمنوا به، وأحلوا قلوبهم ومشاعرهم من كل معبود سواه، فقد دخلوا فى محتوى هذا النداء الكريم، الذي نادى الله به عباده المؤمنين فى قوله سبحانه «قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ»(٥٣- ٥٤: الزمر) .
فما كان من الذنوب دون الشرك والكفر، فهو فى ساحة رحمة الله، وفى معرض غفرانه.
وليس فى قوله تعالى:«لِمَنْ يَشاءُ» قيدا يحدّ من رحمة الله، أو يحجز من غفرانه، ولكن المراد به وضع الرحمة والمغفرة تحت مشيئة الله، يضعهما حيث يشاء، ويفضل بهما على من يشاء، فضلا وكرما، وليس لأحد أن يتألّى على الله، أو أن يلزمه شيئا من هذا العطاء المتفضّل به.. وبهذا تعظم المنّة، ويتضاعف الإحسان، إذ كان ذلك من غير مقابل، ودون استيفاء لجزاء على عمل، فصاحب العمل له جزاء عمله، كما يقول سبحانه:«نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ»(٥٦: يوسف) فرحمة الله واقعة حيث يشاء لمن يشاء.. أما المحسن، فقد كتب الله على نفسه أن يوفيه أجره، بل ويوفيه هذا الأجر أضعافا مضاعفة، كما يقول سبحانه:«لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ» .