وقوله تعالى:«مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ» هو بيان كاشف للحياة التي يحياها المنافقون، وأنها حياة قلقة مضطربة، لا تقوم على مبدأ، ولا تستقيم على طريق..
والذبذبة الاضطراب، والتردد، بين موقفين أو أكثر.. وكأنها مشتقة من الذّبّ، وهو الدفع والطرد، ومنه سمّى الذباب، لأنه يطرد، ثم يعود، ثم يطرد، ثم يعود، وهكذا..
وقوله تعالى:«وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا» هو تيئيس لهؤلاء المنافقين، الذين تقلّبوا فى وجوه النفاق، ففسد وجودهم كلّه، ولم يعودوا صالحين للعودة إلى الطبيعة البشرية السليمة.. فلا سبيل لهم- والأمر كذلك- إلى الخلاص من هذا الداء الذي تمكن منهم! ثم إن هذا الحكم هو تنبيه إلى هؤلاء الذين هم على شاطىء النفاق، وفى أول الطريق إليه.. وأنهم إذا لم يلتفتوا إلى أنفسهم، ويحذروا الخطر الذي هم بين يديه، اشتمل عليهم واحتوى وجودهم، ولحقوا بمن سبقهم من المنافقين! وإضلال الله للمنافقين، إنما كانت نسبته إلى الله، لأنه أشبه بتصديق على حكم أصدروه هم على أنفسهم، وصنعوا بأيديهم حيثياته وأدلّته..َ ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ»