ومع هذا، فإن تلك الكلمة كانت أشأم كلمة ولدت فى الإسلام، وجرت على ألسنة المسلمين.!
والتاريخ المعروف لميلاد تلك الكلمة، هو السنة السابعة والثلاثون من الهجرة، حين تمّ التصالح بين علىّ ومعاوية على التحكيم، بعد أن ذهبت الحرب بينهما فى صفّين بألوف الأرواح من المسلمين..
وقد تكون هذه الكلمة جرت على ألسنة كثيرة قبل هذا التاريخ، ولكنها لم تكن تعيش طويلا، أو تتحرك فى مجال أكثر من دائرة الشخص الذي نطق بها.
أما ظهورها فى هذه المرة، وفى هذا الوقت الذي سمعت فيه، فقد كان- كما قلنا- ظهورا مدويّا، ملأ الأسماع، وهزّ المشاعر، وأثار البلبلة والاضطراب.. ثم الحرب والقتال! والسرّ فى هذا، هو أنها جاءت فى وقتها، وظهرت فى الحال الداعية إليها، فوقعت من كثير من النفوس موقع الغريق يتعلق بأى شىء يقع ليده، ولو كان مخلب أسد، أو ناب ثعبان! هكذا الكلمات والعبارات، تكبر قيمتها ويعظم خطرها، حين تكون الحاجة إليها داعية، والنفوس لها طالبة، دون نظر أو اعتبار لها فى ذاتها، وفى حلاوة جرسها، وبراعة تركيبها، وغزارة معانيها..
إن لقمة، خشنة، جافة، تجىء على جوع، هى أشهى وأغلى من، مائدة جمعت ليّن الطعام وطيّبه، تجىء على شبع وامتلاء! وقد جاءت هذه الكلمة «لا حكم إلا لله» إلى نفوس حائرة، فكانت دليلها، وقلوب مضطربة، فكانت أمنها وسكنها.