كان هناك مئات وألوف من أصحاب «علىّ» كرم الله وجهه، حاربوا معه ابتغاء مرضاة الله، وهيئوا أنفسهم للاستشهاد فى سبيل الله، ولردّ الفئة الباغية إلى طريق الحق الذي شردت عنه.
ثم ها هم أولاء يرون دعوة إلى وقف القتال، وإلى الاحتكام إلى كتاب الله! ففيم كان القتال إذن؟ وما ثمن هذه الأرواح التي ذهبت؟ وتلك الدماء الغزيرة التي أريقت؟
كان كثير من أصحاب علىّ فى حيرة من أمرهم فى هذا الموقف، لا يدرون كيف يجدون الجواب على تلك الأسئلة المحيّرة التي تدور فى صدورهم..
وقد خطبهم الإمام «على» وأرضى الكثير منهم بمنطقه وبلاغته، ولكن كثيرا منهم كان داء الحيرة عندهم أكبر من أن تذهب به بلاغة، الإمام ومنطقه! ولهذا، فإنه ما إن هتف الهاتف بهذه الكلمة العابرة الطائرة:(لا حكم إلا لله) ، حتى لقفتها الآذان، وتنادت بها الألسنة، وإذا هى راية يجتمع عليها جيش كان قد سقطت رايته، ووقع الاضطراب فى صفوفه! لقد كانت هذه الكلمة هى «المبدأ» الذي اجتمع عليه الخوارج، وهى الراية التي قاتلوا تحتها، وهى السّمة التي كانت حجازا بينهم وبين الجماعة الإسلامية..
وأحسب أنه لولا هذه الكلمة ما استمسك أمر الخوارج، ولا انتظم شملهم، ولا اجتمعت أشتاتهم المتفرقة.. بل لظلّوا هكذا أفرادا، كلّ فرد منهم يحمل همّه فى نفسه، ويعالج حيرته بالأسلوب الذي يتهيأ له.. ولكن هذه الكلمة كانت أشبه بشعلة من نار ارتفعت فى الصحراء، فى ليلة حالكة السواد، فاجتمع عليها كل ضال، وجاء إليها كل تائه..