وظاهر حالهم تنبىء عن أنهم ينكرون على «عيسى بن مريم» أنه المسيح وأنه رسول الله.. فهم إنما قتلوا حين قتلوا ذلك الشخص الذي يدعى «يسوع» والمعروف بعيسى بن مريم! ولو عرفوا أنه «المسيح» لما قتلوه، أو لو عرفوا أنه رسول الله لما صلبوه! ولكن القرآن ينفذ إلى الصميم من أعماقهم، ويضبط الشوارد من عقولهم، وإذا حصيلة هذا، هو أنهم يعرفون أن عيسى بن مريم رسول الله، وأنه المسيح، ومع هذا فإنهم قتلوه وصلبوه! ذلك أنهم- كما قلنا- كانوا ينتظرون مسيحا يحقق لهم تلك الرؤى- وهذه الأحلام التي انتظروا تأويلها على يد المسيح الموعود الذي حدثهم عنه أنبياؤهم، وتنبأوا لهم بقرب مجيئه وبالخلاص المنتظر على يديه! وإذ طلع عليهم «يسوع» بأنه المسيح أنكروا أن يكون هو المسيح ثم لا يكون بين يديه هذا الخلاص الذي انتظروه.. فليكن «يسوع» مسيحا ولكنهم ليس مسيحهم.. وإلا فيا لخيبة الآمال ويا لطول الشقاء.!
ثم إنهم لكى يقضوا على هذا «الكابوس» المزعج الذي جاء فطرد أحلامهم المسعدة، كان لا بد من أن يقتلوا هذا المسيح، وأن يعجّلوا بقتله وأن يمثّلوا به، شفاء لما امتلأت به صدورهم من خيبة أمل وسوء مصير، فكان أن صلبوا المسيح، لا لأنه جدّف على الله، بل لأنه قضى على أحلامهم، وجاءهم باليأس القاتل..
لما سمع يوحنا المعمدان وهو فى السجن بأعمال المسيح أرسل إليه اثنين من تلاميذه ليقولا له: أنت هو الآتي أم ننتظر آخر؟ «من ١١: ٣» أما يوحنا فقد أيقن أنه هو المسيح.. وأما اليهود فقد أنكروا أنه هو مسيحهم الموعودون به، لأن مسيحهم كما خيل إليهم يفتح لهم خزائن الأرض ويقيمهم منها مقام المالك المطلق فيها!