إنهم كانوا يستعجلون مجىء المسيح، وها هو ذا يقول إنه قد جاء.. ولكنهم لا يجدون عنده ما يتمنون ويشتهون.. ولهذا كانوا معه على حال من الحيرة القاتلة، والشك المؤرّق! «كان عيد التجديد فى أورشليم.. وكان شتاء.. وكان يسوع يتمشّى فى الهيكل فى رواق سليمان فأحاط به اليهود وقالوا له: إلى متى تلعق أنفسنا؟ إن كنت أنت المسيح فقل لنا جهرا! أجابهم يسوع: إنى قلت لكم ولستم تؤمنون..
الأعمال التي أنا أعملها باسم أبى هى تشهد لى، ولكنكم ولستم تؤمنون، لأنكم لستم من خرافى كما قلت لكم: خرافى تسمع صوتى وأنا أعرفها فتتبعنى.
(يوحنا ١٠: ٢٢- ٢٨) مصيبة اليهود مع دعوات الحق التي يدعوهم رسل الله إليها، أنهم لا يفتحون لها قلوبهم، ولا يتعاملون معها بعواطفهم ووجدانهم، وإنما ينظرون إلى هذه الدعوات من جانب عملىّ واقعي، يقاس بمقياس المادة، ويحسب بحسابها، ويوزن بميزان النقد المعجّل المقبوض! وليس بهذا المقياس تقاس الأمور العقائدية، ولا بهذا الحساب تحسب مسائل الإيمان..!
ذلك أن الإيمان بمعناه الصحيح إنما يقوم على أشواق ومواجد تولّدها العاطفة المنقدحة من الوجدان! وبغير هذا لا يكون إيمان، وإن كان، فهو إيمان قائم على خواء، لا يلبث حتى يضمر ويموت! إن الإيمان استجابة لدعوة من دعوات الفن الرفيع الجميل.. فإذا لم يكن المدعوّ إلى الإيمان على حظ من سلامة الوجدان ورفاهة الحس، لم تبلغ الدعوة موطن الإيمان منه!