الرشد منهم. فبلوغ النكاح أن يحتلم لأنه يصلح للنكاح عنده، ولطلب ما هو مقصود به وهو التوالد ومناط الاحتلام خروج المني، ويدخل وقت إمكانه باستكمال تسع سنين قمرية أو يبلغ خمس عشرة سنة تامة قمرية عند الشافعي، وثماني عشرة عند أبي حنيفة. وهذان مشتركان بين الغلام والجارية ولها أمارتان أخريان: الحيض أو الحبل، ولطفل الكفار أمارة زائدة هي إنبات الشعر الخشن على العانة. وأما الإيناس ففي اللغة الإبصار. والمراد في الآية التبين والعرفان. والرشد خلاف الغيّ. ومعنى قوله: وَابْتَلُوا الْيَتامى اختبروا عقولهم وذوقوا أحوالهم ومعرفتهم بالتصرف قبل البلوغ، ومن هنا قال أبو حنيفة: تصرفات الصبي العاقل المميز بإذن الولي صحيحة لأن الابتلاء المأمور به قبل بلوغهم إنما يحصل إذا أذن له في البيع والشراء. وقال الشافعي: الابتلاء قبل البلوغ لا يقتضي الإذن في التصرف لأن الإذن يتوقف على دفع المال إليهم، ولكن لا يصح دفع المال إليهم لأنه موقوف على الشرطين. بل المراد بالابتلاء اختبار عقله واستبراء حاله حسبما يليق بكل طائفة. فولد التاجر يختبر في البيع والشراء بحضوره، ثم باستكشاف ذلك البيع والشراء منه وما فيهما من المصالح والمفاسد. وقد يدفع إليه شيئا ليبيع أو يشتري فيعرف بذلك مقدار فهمه وعقله، ثم الولي بعد ذلك يتم العقد لو أراد. وولد الزارع يختبر في أمر المزارعة والإنفاق على القوّام بها، وولد المحترف فيما يتعلق بحرفته، والمرأة في أمر القطن والغزل وحفظ الأقمشة وصون الأطعمة عن الهرة والفأرة وما أشبهها. ولا يكفي المرة الواحدة في الاختبار بل لا بد من مرتين وأكثر على ما يليق بالحال ويفيد غلبة الظن أنه رشد نوعا من الرشد يختص بحاله، لا الرشد من جميع الوجوه وعلى أكمل ما يمكن ولهذا ورد منكرا. وقد ظهر مما ذكرنا أنه لا بد بعد البلوغ من الرشد فيما يتعلق بصلاح ماله بحيث لا يقدر الغير على خديعته. ثم إن أبا حنيفة قال: إذا بلغ مهتديا إلى وجوه مصالح الدنيا فهو رشيد يدفع إليه ماله. وقال الشافعي:
لا بد مع ذلك من الاهتداء لمصالح الدين، فإن الفاسق لا يخلو من إتلاف المال في الوجوه الفاسدة المحرمة، وقد نفى الله تعالى الرشد عن فرعون في قوله وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ [هود: ٩٧] مع أنه كان يراعي مصالح الدنيا. ويتفرع على القولين أن الشافعي يرى الحجر على الفاسق وأبا حنيفة لا يراه. ثم إنه إذا بلغ غير رشيد واستمر على ذلك لم يدفع إليه ماله بالاتفاق إلى خمس وعشرين سنة، وفيما وراء ذلك خلاف. فعند أصحاب أبي حنيفة وعند الشافعي لا يدفع إليه أبدا إلا بإيناس الرشد كما هو مقتضى الآية. وعند أبي حنيفة يدفع لأن مدة بلوغ الذكر عنده بالسن ثماني عشرة سنة، فإذا زادت عليها سبع سنين وهي مدة معتبرة