معمولا به في سقوط القصاص عن قاتله. واستدلت الأشاعرة بالآية على غفران صاحب الكبيرة قبل التوبة لأن ما دون الشرك يشمله. والمعتزلة خصصوا الثاني بمن تاب كما أن الأول مخصص بالإجماع بمن لم يتب. قالوا: ونظيره قولك: «إن الأمير لا يبذل الدينار ويبذل القنطار لمن يشاء» . المعنى لا يبذل الدينار لمن لا يستأهله، ويبذل القنطار لمن يستأهله. والمشيئة تكون قصدا في الفعلين: المنفي والمثبت جميعا، لأنه إن شاء لم يتب المشرك فلا يترتب عليه الغفران، وإن شاء تاب صاحب الكبيرة فيستوجب الغفران. وروى الواحدي في البسيط بإسناده عن ابن عمر قال: كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مات الرجل منا على كبيرة شهدنا أنه من أهل النار حتى نزلت هذه الآية فأمسكنا عن الشهادة. وقال ابن عباس بمحضر عمر: إني لأرجو كما لا ينفع مع الشرك عمل كذلك لا يضر مع التوحيد ذنب فسكت عمر. وعن ابن عباس: لما قتل وحشي حمزة يوم أحد وكانوا قد وعدوه الإعتاق إن هو فعل ذلك. ثم إنهم ما وفوا بذلك ندم هو وأصحابه فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ندمهم، وأنه لا يمنعهم من الدخول في الإسلام إلّا قوله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ [الفرقان: ٦٨] فقالوا: قد ارتكبنا كل ما في الآية فنزل قوله: إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً [الفرقان: ٧٠] فقالوا: هذا شرط شديد نخاف أن لا نقوم به فنزل إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ فقالوا: نخاف أن لا نكون من أهل مشيئته فنزل قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ [الزمر: ٥٢] فدخلوا عند ذلك في الإسلام. وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى اختلق وافتعل إِثْماً عَظِيماً لأنه ادعى ما لا يصح كونه.
عن ابن عباس في رواية الكلبي أن قوما من اليهود أتوا بأطفالهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد هل على هؤلاء ذنب؟
فقال: لا. فقالوا: والله ما نحن إلّا كهيئتهم. ما عملنا بالليل يكفر عنا بالنهار، وما عملنا بالنهار يكفر عنا بالليل. وكانوا يقولون: نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة: ١٨] لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى [البقرة: ١١١] فنزل فيهم أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ
ويدخل فيه كل من زكى نفسه ووصفها بزكاء العمل أو قبول الطاعة والزلفى عند الله بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وإن تزكيته هي التي يعتد بها كما
أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:«والله إني لأمين في السماء أمين في الأرض»
وكفى بإظهار المعجزات على يده تزكية له وتصديقا لقوله: وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا هو ما فتلت بين أصبعيك من الوسخ «فعيل» بمعنى «مفعول» . ابن السكيت: هو ما كان في شق النواة. والضمير للذين يزكون أي يعاقبون على تزكيتهم أنفسهم حق جزائهم، أو لمن يشاء أي يثابون على زكاتهم من غير نقص شيء من ثوابهم. ثم عجب النبي صلى الله عليه وسلم من فريتهم وادعاء زكاتهم ومكانتهم عند الله فقال: انْظُرْ كَيْفَ