للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من قائل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا [الأحزاب:

٦٩] والنصارى أفرطوا وقالوا الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ [التوبة: ٣٠] إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ [المائدة:

٧٣]

روي عن عدي بن حاتم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «غير المغضوب عليهم اليهود والضالون النصارى»

وتصديق ذلك من كتاب الله حيث قال في اليهود وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ [آل عمران:

١١٢] وفي النصارى وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ [المائدة: ٧٧] هذا شأن الفريقين. وأما المؤمنون فطلبوا الوسط بين المنحرفين وذلك من لطف الله تعالى بهم وفضله عليهم وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة: ١٤٣] كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران: ١١٠] وخير الأمور أوسطها.

الثانية: الآية تدل على أن أحدا من الملائكة والأنبياء ما أقدم على عمل أو اعتقاد يخالف الحق وإلا لكان ضالا لقوله تعالى فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ [يونس: ٣٢] يصلح للاقتداء به والاهتداء بطريقه.

الثالثة: ما الفائدة في أن عدل من أن يقول اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين إلى ما عدل؟ قلت: الإيمان إنما يكمل بالرجاء والخوف كما

قال صلّى الله عليه وسلّم: «لو وزن خوف المؤمن ورجاؤه لاعتدلا»

فقوله «صراط الذين أنعمت عليهم» يدل على الرجاء، وباقي الآية يدل على الخوف، فيكمل الإيمان بطرفيه وركنيه.

الثالث عشر: في تفسير السورة مجموعة وفيه مناهج:

المنهج الأول: نسبة عالم الغيب إلى عالم الشهادة، ونسبة الأصل إلى الفرع، والنور إلى الظلمة، فكل شاهد. فله في الغائب أصل وإلا كان كسراب زائل وخيال باطل، وكل غائب فله في الشاهد مثال وإلا كان كشجرة بلا ثمرة ومدلول بلا دليل، وكل شريف فهو بالنسبة إلى ما دونه مطاع كما قال عز من قائل ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ [التكوير: ٢٠، ٢١] والمطاع في عالم الروحانيات مطاع في عالم الجسمانيات، والمطاع في عالم الأرواح هو المصدر، والمطاع في عالم الأجسام هو المظهر. ولا بد من أن يكون بينهما ملاقاة ومجانسة وبهما تتم سعادة الدارين لأنهما يدعوان إلى الله بالرسالة.

وحاصل الدعوة أمور سبعة تشتمل عليها خواتيم سورة البقرة، أربعة منها تتعلق بالمبدأ وهي معرفة الربوبية أعني معرفة الله تعالى وملائكته وكتبه ورسله آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [البقرة:

٢٨٥] واثنان منها تتعلق بالوسط أحدهما مبدأ العبودية وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا [البقرة:

<<  <  ج: ص:  >  >>