٢٨٥] والثاني كمال العبودية وهو الالتجاء إلى الله وطلب المغفرة منه غُفْرانَكَ رَبَّنا [البقرة: ٢٨٥] وواحد يتعلق بالمعاد وهو الذهاب إلى حضرة الملك الوهاب وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة: ٢٨٥] ويتفرع على هذه المراتب سبع مراتب في الدعاء والتضرع أولها رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا [البقرة: ٢٨٦] فضد النسيان هو الذكر وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ [الكهف: ٢٤] وهذا الذكر إنما يحصل بقوله «بسم الله الرحمن الرحيم» . وثانيها رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا [البقرة: ٢٨٦] ودفع الإصر والثقل يوجب «الحمد لله رب العالمين» . وثالثها: رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ [البقرة: ٢٨٦] . وذلك إشارة إلى كمال رحمته «الرحمن الرحيم» ورابعها وَاعْفُ عَنَّا [البقرة: ٢٨٦] لأنك أنت المالك للقضاء والحكومة في يوم الدين «مالك يوم الدين» .
وخامسها وَاغْفِرْ لَنا [البقرة: ٢٨٦] لأنا التجأنا بكليتنا إليك وتوكلنا في جميع الأمور عليك «إياك نعبد وإياك نستعين» . وسادسها وَارْحَمْنا [البقرة: ٢٨٦] لأنا طلبنا الهداية منك «اهدنا الصراط المستقيم» وسابعها أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ [البقرة: ٢٨٦]«صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين» . فهذه المراتب ذكرها محمد صلى الله عليه وسلم في عالم الروحانيات عند صعوده إلى المعراج، فلما نزل من المعراج فاض أثر المصدر على المظهر فوقع التعبير عنها بسورة الفاتحة، فمن قرأها في صلاته صعدت هذه الأنوار من المظهر إلى المصدر كما نزلت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم من المصدر إلى المظهر، فلهذا السبب
قال صلى الله عليه وسلم:«الصلاة معراج المؤمن» .
المنهج الثاني: المداخل التي يأتي الشيطان من قبلها في الأصل ثلاثة: الشهوة والغضب والهوى. الشهوة بهيمية، والغضب سبعية، والهوى شيطانية أرضية، ولهذا قال:
فالشهوة آفة لكن الغضب أعظم منها، والغضب آفة لكن الهوى أعظم منه. قال تعالى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ [النحل: ٩] أي الشهوة، والمنكر الغضب، والبغي الهوى، فبالشهوة يصير الإنسان ظالما لنفسه، وبالغضب ظالما لغيره، وبالهوى لربه، ولهذا
قال صلى الله عليه وسلم «الظلم ثلاثة: فظلم لا يغفر وظلم لا يترك وظلم عسى الله أن يتركه، فالظلم الذي لا يغفر هو الشرك بالله، والظلم الذي لا يترك هو ظلم العباد بعضهم بعضا، والظلم الذي عسى الله أن يتركه هو ظلم الإنسان نفسه»
ونتيجة الشهوة الحرص والبخل، ونتيجة الغضب العجب والكبر، ونتيجة الهوى الكفر والبدعة. ويحصل من اجتماع هذه الست في بني آدم خصلة سابعة هي الحسد وهو نهاية الأخلاق الذميمة، كما أن الشيطان هو النهاية في الأشخاص المذمومة، ولهذا السبب ختم الله تعالى مجامع الشرور الإنسانية بالحسد في قوله تعالى: