للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ [الفلق: ٥] كما ختم جوامع الخبائث الشيطانية بالوسوسة في قوله يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ [الناس: ٥، ٦]

روي أن إبليس أتى باب فرعون وقرع الباب فقال فرعون: من هذا؟ قال: إبليس ولو كنت إلها ما جهلت. فلما دخل قال فرعون: أتعرف في الأرض شرا مني ومنك؟ قال: نعم، الحاسد، وبالحسد وقعت فيما وقعت.

ثم نقول: الأسماء الثلاثة في التسمية دافعة للأخلاق الثلاثة الأصلية، والآيات السبع التي هي الفاتحة دافعة للأخلاق السبعة، بيان ذلك من عرف الله تباعد عنه شيطان الهوى أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ [الجاثية: ٢٣] يا موسى خالف هواك فإني ما خلقت خلقا نازعني في ملكي إلا هواك. ومن عرف أنه رحمن لم يغضب لأن منشأ الغضب طلب الولاية والولاية للرحمن الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ [الفرقان: ٢٦] ومن عرف أنه رحيم صحح نسبته إليه فلا يظلم نفسه ولا يلطخها بالأفعال البهيمية. وأما الفاتحة فإذا قال «الحمد لله» فقد شكر الله واكتفى بالحاصل فزالت شهوته، ومن عرف أنه رب العالمين زال حرصه فيما لم يجد وبخله فيما وجد، ومن عرف أنه «مالك يوم الدين» بعد أن عرف إنه «الرحمن الرحيم» زال غضبه، ومن قال: «إياك نعبد وإياك نستعين» زال كبره بالأول وعجبه بالثاني، وإذا قال «اهدنا الصراط المستقيم» اندفع عنه شيطان الهوى، وإذا قال «صراط الذين أنعمت عليهم» زال عنه كفره، وإذا قال «غير المغضوب عليهم ولا الضالين» اندفعت بدعته، وإذا زالت عنه الأخلاق الستة اندفع عنه الحسد، ثم إن جملة القرآن كالنتائج والشعب من الفاتحة وكذا جميع الأخلاق الذميمة كالنتائج والشعب من تلك السبعة، فلا جرم القرآن كله كالعلاج لجميع الأخلاق الذميمة. وهنا نكتة دقيقة تتعلق بالرب والإله وبسببها ختم القرآن عليها، كأنه قال: إن أتاك الشيطان من قبل الشهوة فقل أعوذ برب الناس، وإن أتاك من قبل الغضب فقل ملك الناس، وإن أتاك من قبل الهوى فقل إله الناس.

المنهج الثالث: في أن سورة الفاتحة جامعة لكل ما يفتقر إليه الإنسان في معرفة المبدأ والوسط والمعاد «الحمد لله» إشارة إلى إثبات الصانع المختار العليم الحكيم المستحق للحمد والثناء والتعظيم. «رب العالمين» يدل على أن ذلك الإله واحد وأن كل العالمين ملكه وملكه وليس في العالم إله سواه، ولهذا جاء في القرآن الاستدلال بخلق الخلائق كثيرا قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ [البقرة: ٢٥٨] الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ [الشعراء: ٧٨] رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى [طه: ٥٠] رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ [الشعراء: ٢٦] اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة: ٢١] اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ [العلق: ١، ٢] وهذه الحالة كما أنها

<<  <  ج: ص:  >  >>