في نفسها دليل على وجود الرب فكذلك هي في نفسها إنعام عظيم، وذلك أن تولد الأعضاء المختلفة الطبائع والصور من النطفة المتشابهة الأجزاء لا يمكن إلا إذا قصد الخالق إيجاد تلك الأعضاء على تلك الصور والطبائع، وكل منها مطابق للمطلوب وموافق للغرض كما يشهد به علم تشريح الأبدان. فلا أحق بالحمد والثناء من هذا المنعم المنان الكريم الرحمن الرحيم الذي شمل إحسانه قبل الموت وعند الموت وبعد الموت. «مالك يوم الدين» يدل على أن من لوازم حكمته ورحمته أن يقدر بعد هذا اليوم يوما آخر يظهر فيه تمييز المحسن من المسيء والمظلوم من الظالم، وهاهنا تمت معرفة الربوبية. ثم إن قوله «إياك نعبد» إشارة إلى الأمور التي لا بد من معرفتها في تقرير العبودية وهي نوعان: الأعمال والآثار المتفرعة على الأعمال أما الأعمال فلها ركنان: أحدهما الإتيان بالعبادة وهو قوله «إياك نعبد» والثاني علمه بأنه لا يمكنه ذلك إلا بإعانة الله وهو قوله «وإياك نستعين» . وأما الآثار المتفرعة على الأعمال فهي حصول الهداية والتحلي بالأخلاق الفاضلة المتوسطة بين الطرفين المستقيمة بين المنحرفين «اهدنا الصراط المستقيم» إلى آخره وفي قوله «صراط الذين أنعمت عليهم» دليل على أن الاستضاءة بأنوار أرباب الكمال خلة محمودة وسنة مرضية «هم القوم لا يشقى بهم جليسهم» قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران: ٣١] وفي قوله «غير المغضوب عليهم ولا الضالين» إشارة إلى أن التجنب عن مرافقة أصحاب البدع والأهواء واجب.
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن يقتدي
والجمر يوضع في الرماد فيخمد المنهج الرابع:
قال صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله عز وجل قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال العبد «بسم الله الرحمن الرحيم» يقول الله: ذكرني عبدي. وإذا قال:«الحمد لله رب العالمين» يقول الله: حمدني عبدي وإذا قال: «الرحمن الرحيم» يقول الله: عظمني عبدي. وإذا قال:«مالك يوم الدين» يقول الله: مجدني عبدي-
وفي رواية فوض إلي عبدي- وإذا قال:«إياك نعبد» يقول الله: عبدي عبدي وإذا قال: «وإياك نستعين» يقول الله:
توكل عليّ عبدي-
وفي رواية وإذا قال:«اهدنا الصراط المستقيم» يقول الله: هذا لعبدي ما سأل «١»
فقوله «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي»
إشارة إلى أن أهم مهمات العبد أن يستنير
(١) رواه مسلم في كتاب الصلاة حديث ٣٨، ٤٠. أبو داود في كتاب الصلاة باب ١٣٢. الترمذي في كتاب تفسير سورة الفاتحة باب ١. النسائي في كتاب الافتتاح باب ٢٣. أحمد في مسنده (٢/ ٢٤١، ٢٨٥) .