للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيتجلى له نور الأزل والأبد، ثم ليقل «وتعالى جدك» إشارة إلى أنه أعلى وأعظم من أن تكون صفات جلاله ونعوت كماله محصورة في القدر المذكور، ثم ليقل «ولا إله غيرك» إشارة إلى أن صفات الجلال وسمات الكمال له تعالى لا لغيره، فهو الكامل الذي لا كامل إلا هو وفي الحقيقة لا هو إلا هو، وهاهنا يكل اللسان وتدهش الألباب، ثم عد أيها المصلي إلى نفسك وحالك وقل «وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض» فقولك «سبحانك اللهم وبحمدك» معراج الملائكة المقربين حيث قالوا وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ [البقرة: ٣٠] وهو أيضا معراج محمد صلى الله عليه وسلم لأن معراجه مفتتح

بقوله «سبحانك اللهم وبحمدك»

وقولك «وجهت وجهي» معراج الخليل صلى الله عليه وسلم، وقولك «إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي» معراج الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم. فقد جمع المصلي بين معراج الملائكة المقربين ومعراج عظماء الأنبياء والمرسلين ثم إذا فرغت من هذه الحالة فقل «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» لتدفع العجب عن نفسك، وفي هذه المقام يفتح لك أحد أبواب الجنة وهو باب المعرفة، وبقولك «بسم الله الرحمن الرحيم» يفتح باب الذكر، وبقولك «الحمد لله رب العالمين» يفتح باب الشكر، وبقولك «الرحمن الرحيم» يفتح باب الرجاء، وبقولك «مالك يوم الدين» يفتح باب الخوف، وبقولك «إياك نعبد وإياك نستعين» بفتح باب الإخلاص المتولد من معرفة العبودية ومعرفة الربوبية وبقولك «اهدنا الصراط المستقيم» يفتح باب الدعاء والتضرع ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: ٦٠] وبقولك: «صراط الذين أنعمت» إلخ. يفتح باب الاقتداء بالأرواح الطيبة والاهتداء بأنوارهم، فجنات المعارف الربانية انفتحت لك أبوابها الثمانية بهذه المقاليد الروحانية، فهذا بيان المعراج الروحاني في الصلاة، وأما الجسماني فأولى المراتب أن تقوم بين يدي الله كقيام أصحاب الكهف إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الكهف: ١٤] بل قيام أهل القيامة يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [المطففين: ٦] ثم اقرأ «سبحانك اللهم وبحمدك» ثم «وجهت وجهي» ثم «الفاتحة» وبعدها «ما تيسر لك من القرآن» واجتهد في أن تنظر من الله إلى عبادتك حتى تستحقرها، وإياك أن تنظر من عبادتك إلى الله فإنك إن فعلت ذلك صرت من الهالكين وهذا سر قوله: «إياك نعبد وإياك نستعين» واعلم أن نفسك إلى الآن جارية مجرى خشبة عرضتها على نار خوف الجلال فلانت، فاجعلها منحنية بالركوع ثم اتركها لتستقيم مرة أخرى، فإن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ولا تبغض طاعة الله إلى نفسك

«فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى»

فإذا عادت إلى استقامتها فانحدر إلى الأرض بغاية التواضع واذكر ربك بغاية العلو وقل: «سبحان ربي الأعلى» فإذا سجدت ثانية حصل لك ثلاثة أنواع من الطاعة. ركوع واحد وسجدتان،

<<  <  ج: ص:  >  >>