فبالركوع تنجو من عقبة الشهوات، وبالسجود الأول من عقبة العضب الذي هو رئيس المؤذيات، وبالسجود الثاني تنجو من عقبة الهوى الداعي إلى كل المضلات. فإذا تجاوزت هذه الصفات وتخلصت عن هذه الدركات، وصلت إلى الدرجات العاليات وملكت الباقيات الصالحات، وانتهيت إلى عقبة جلال مدبر الأرض والسموات، فقل عند ذلك «التحيات المباركات» باللسان، و «الصلوات» بالأركان و «الطيبات» بالجنان وقوة الإيمان بالله، فيصعد نور روحك وينزل نور روح محمد صلى الله عليه وسلم فيتلاقى الروحان ويحصل هناك الروح والريحان فقل «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته» فعند ذلك يقول محمد صلى الله عليه وسلم «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» فكأنه قيل لك: بم نلت هذه الكرامات؟ فقل: بقولي: «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا رسول الله» فقيل: إن محمدا الذي هداك أي شيء هديتك له صلى الله عليه وسلم؟ فقل «اللهم صل على محمد وآل محمد» ، فقيل لك: إن إبراهيم صلى الله عليه وسلم وهو الذي قال رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ [البقرة: ١٢٩] فما جزاؤك له صلى الله عليه وسلم؟ فقل «كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين» فيقال لك: هذه الخيرات من محمد وإبراهيم أو من الله؟ فقل: بل من الحميد المجيد «إنك حميد مجيد» . ثم إن العبد إذا ذكر الله تعالى بهذه الأثنية والمدائح ذكره الله تعالى في محافل الملائكة
«إذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه»«١»
فإذا سمع الملائكة ذلك اشتاقوا إلى العبد فقال الله تعالى: إن الملائكة اشتاقوا إلى زيارتك وقد جاؤوك زائرين فابدأ بالسلام عليهم لتكون من السابقين، فقل عن اليمين وعن الشمال «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» فلا جرم إذا دخل المصلون الجنة فالملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتهم فنعم عقبى الدار.
المنهج الثامن: أعظم المخلوقين جلالة ومهابة المكان والزمان، فالمكان فضاء لا نهاية له، وخلاء لا غاية له، والزمان امتداد وهمي شبيه بنهر خرج من قعر جبل الأزل فامتد ودخل في قعر الأبد، فلا يعرف لانفجاره مبدأ ولا لاستقراره منزل. فالأول والآخر صفة الزمان، والظاهر والباطن صفة المكان، وكمال هذه الأربعة «الرحمن الرحيم» فالحق سبحانه وسع المكان ظاهرا وباطنا، ووسع الزمان أولا وآخرا، وهو منزه عن الافتقار إلى المكان والزمان، فإنه كان ولا مكان ولا زمان، فعقد المكان بالكرسي وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ [البقرة: ٢٥٥] وعقد الزمان بالعرش وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ [هود: ٧] لأن جري الزمان يشبه جري الماء، فالعلو صفة الكرسي وَسِعَ كُرْسِيُّهُ [البقرة: ٢٥٥] والعظمة صفة العرش رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [التوبة: ١٢٩] وكمال العلو والعظمة لله