قال في الكشاف: إنه كذب بحت وقد صح أن الأنبياء معصومون عن الشعر وصدّقه في التفسير الكبير وقال: إنّ ذلك من غاية الركاكة بحيث لا يليق بالآحاد فضلا عن الأفراد وخصوصا من علمه حجة على الملائكة. وأقول: أما أن جميع الأنبياء معصومون عن الشعر فلعل دعوى العموم لا تمكن فيه وكأنه من خصائص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولهذا أثنى الله تعالى عليه بقوله: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ [يس: ٦٩] وأما أنه من الركاكة بالحيثية المذكورة فمكابرة مع أن مقام البث والشكوى لا يحتمل الشعر المصنوع والله أعلم بحقيقة الحال. قال المفسرون: إنه لما قتله تركه لا يدري ما يصنع به ثم خاف عليه السباع فحمله في جراب على ظهره سنة حتى تغيّر فبعث الله غرابا. روى الأكثرون أنه بعث غرابين فاقتتلا فقتل أحدهما الآخر فحفر بمنقاره ورجليه ثم ألقاه في الحفرة فتعلم من الغراب. وقال:
الأصم: لما قتله وتركه بعث الله غرابا يحثى على المقتول فلما رأى القاتل أنّ الله تعالى كيف يكرمه بعد موته ندم. وقال أبو مسلم: عادة الغراب دفن الأشياء فجاء غراب فدفن شيئا فتعلم ذلك منه لِيُرِيَهُ أي الله أو الغراب أي ليعلمه وذلك أنه كان سبب تعليمه كَيْفَ يُوارِي محله نصب على الحال من ضمير يُوارِي والجملة منصوبة بيرى مفعولا ثانيا أي ليريه كيفية مواراة سوأة أخيه أي عورته وهو ما لا يجوز أن ينكشف من جسده. وقيل: أي جيفة أخيه. والسوأة السوء الخلة القبيحة يا وَيْلَتى كلمة عذاب. يقال: ويل له وويله ومعناه الدعاء بالإهلاك وقد يقال في معرض الترحم. وإنما طلب إقبال الويل هاهنا على سبيل التعجب والندبة أي احضر حتى يتعجب منك ومن فظاعتك أو احضر فهذا أوان حضورك.
والألف بدل من ياء المتكلم. أَعَجَزْتُ استفهام بطريق الإنكار أَنْ أَكُونَ أي عن أن أكون مِثْلَ هذَا الْغُرابِ أي في الفعلة المذكورة ولهذا قال: فَأُوارِيَ بالنصب على جواب الاستفهام مِنَ النَّادِمِينَ الندم وضع للزوم ومنه النديم لملازمته المجلس. وإنما لم يكن ندمه توبة لأنه لما تعلم الدفن من الغراب صار من النادمين على أنّ حمله على ظهره سنة، أو ندم على قتل أخيه لأنه لم ينتفع بقتله بل سخط عليه أبواه وإخوته، أو ندم لأنه تركه بالعراء استخفافا وتهاونا وكان دون الغراب في الشفقة على مقتوله حتى صار الغراب دليلا وقد قيل:
إذا كان الغراب دليل قوم مِنْ أَجْلِ ذلِكَ القتل قيل: هو من أجل شرا يأجله أجلا إذا جناه كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ إن كان القاتل والمقتول من بني إسرائيل فالمناسبة بين الواقعة وبين وجوب القصاص عليهم ظاهرة، وإن كانا ابني آدم من صلبه فالوجه أن يكون