ذلك إشارة إلى ما في القصة من أنواع المفاسد كخسران الدارين وكالندم على الأمور المذكورة، أي من أجل ما ذكرنا في أثناء القصة من المفاسد الناشئة من القتل العمد العدوان شرعنا القصاص في حق القاتل، ثم وجوب القصاص وإن كان عاما في جميع الأديان والملل إلّا أنّ التشديد المذكور في الآية- وهو أن قتل النفس الواحدة جار مجرى قتل جميع الناس- غير ثابت إلّا على بني إسرائيل. والغرض بيان قساوة قلوبهم فإنهم مع علمهم بهذا الحكم أقدموا على قتل الأنبياء والرسل فيكون فيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الواقعة التي عزموا فيها على قتله. ثم القائلون بالقياس استدلوا بالآية على أنّ أحكام الله تعالى قد تكون معللة بالعلل لأنه صرّح بأن الكتبة معللة بتلك المعاني المشار إليها بقوله: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ والمعتزلة أيضا قالوا: إنها دلّت على أنّ الأحكام معللة بمصالح العباد. ويعلم منه امتناع كونه تعالى خالقا للكفر والقبائح لأنّ ذلك ينافي مصلحة العبد. والأشاعرة شنعوا عليهم بلزوم الاستكمال. والتحقيق أنّ استتباع الفعل الغاية الصحيحة لا ينافي الكمال الذاتي وقد سبق مرارا. بِغَيْرِ نَفْسٍ أي بغير قتل نفس وهو أن يقع لا على وجه الاقتصاص. أَوْ فَسادٍ قال الزجاج: إنه معطوف على نَفْسٍ بمعنى أو بغير فساد فِي الْأَرْضِ كالكفر بعد الإيمان وكقطع الطريق وغيره من المهدّدات فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وهاهنا نكتة وهي أنّ التشبيه لا يستدعي التسوية بين المشبه والمشبه به من كل الوجوه، فلا يكون قتل النفس الواحدة قتل جميع الناس فإنّ الجزء لا يعقل أنه مساو للكل. فالغرض استعظام أمر القتل العمد العدوان واشتراك القتلين في استحقاق الإثم كما قال مجاهد: قاتل النفس جزاؤه جهنم وغضب الله والعذاب العظيم ولو قتل الناس جميعا لم يزد على ذلك. والتحقيق فيه أنه إذا أقدم على القتل العمد العدوان فقد رجح داعية الشهوة والغضب على داعية الطاعة، وإذا ثبت الترجيح بالنسبة إلى واحد ثبت بالنسبة إلى كل واحد بل بالإضافة إلى الكل لأنّ كل إنسان يدلي من الكرامة والحرمة بما يدلي به الآخر. وفيه أن جد الناس واجتهادهم في دفع قاتل شخص واحد يجب أن يكون مثل جدّهم في دفعه لو علموا أنه يقصد قتلهم بأسرهم وَمَنْ أَحْياها استنقذها من مهلكة كحرق أو غرق أو جوع مفرط ونحو ذلك، والكلام في تشبيه إحياء البعض بإحياء الكل كما تقرر في القتل ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ أي من بني إسرائيل بَعْدَ ذلِكَ بعد مجيء الرسل لَمُسْرِفُونَ في القتل لا يبالون بهتك حرمة.
ومعنى «ثم» تراخي الرتبة.
ثم إنه سبحانه بين أن الفساد في الأرض الموجب للقتل ما هو فقال: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ استدل بالآية من جوز إرادة الحقيقة والمجاز معا من لفظ واحد