للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنّ محاربة الله عبارة عن المخالفة فقط ولا يمكن حملها على حقيقة المحاربة. ويحتمل أن يقال: إنا نحمل هذه المحاربة على مخالفة الأمر والتكليف. والتقدير إنما جزاء الذين يخالفون أحكام الله وأحكام رسوله، أو المراد إنما جزاء الذين يحاربون أولياء الله وأولياء رسوله كما

جاء في الخبر «من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة» «١» .

وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً نصب على الحال أي مفسدين، أو على العلة أي للفساد، أو على المصدر الخاص نحو: رجع القهقرى. لأنّ الفساد نوع من السعي.

عن قتادة عن أنس أن الآية نزلت في العرنيين الذين قتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستاقوا الذود، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم وأمر بقطع أيديهم وأرجلهم ثم سمل أعينهم وتركهم حتى ماتوا

فكانت الآية ناسخة لتلك السنة. وعند الشافعي لما لم يجز نسخ السنة بالقرآن كان الناسخ لتلك السنة سنة أخرى ونزل هذا القرآن مطابقا للسنة الناسخة. وقيل: نزلت في قوم أبي برزة الأسلمي- وكان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد- فمرّ بهم قوم من كنانة يريدون الإسلام وأبو برزة غائب فقتلوهم وأخذوا أموالهم. وقيل: إنها في بني إسرائيل الذين حكى الله عنهم أنهم مسرفون في القتل.

وقيل: في قطّاع الطريق من المسلمين وهذا قول أكثر الفقهاء. قالوا: ولا يجوز حمل الآية على المرتدين لأنّ قتل المرتد لا يتوقف على المحاربة وإظهار الفساد في الأرض، ولأنه لا يجوز الاقتصار في المرتد على قطع اليد أو النفي، ولأن حدّه يسقط بالتوبة قبل القدرة عليه وبعدها، ولأنّ الصلب غير مشروع في حقه، ولأن اللفظ عام. وشرطوا في هذا المحارب بعد كونه مسلما مكلفا أن يكون معتمد القوة في المغالبة مع البعد عن الغوث فيخرج الكفار والمراهقون والمعتمد على الهرب، وكذا المتعرض للقادر على الاستعانة بمن يغيثه. واتفقوا على أنّ هذه الحالة إذا حصلت في الصحراء كان قاطع الطريق، فأما في نفس البلد فكذلك عند الشافعي لعموم النص. وخالف أبو حنيفة ومحمد لأنه يلحقه الغوث في الغالب فحكمه حكم السارق. وللعلماء في لفظ «أو» في الآية خلاف. فعن ابن عباس في رواية علي بن أبي طلحة وقول الحسن وسعيد بن المسيب ومجاهد أنها للتخيير إن شاء الإمام قتل وإن شاء صلب وإن شاء قطع الأيدي والأرجل وإن شاء نفى. وعنه في رواية عطاء أنّ الأحكام تختلف بحسب الجنايات، فمن اقتصر على القتل قتل، ومن قتل وأخذ المال قدر نصاب السرقة قتل وصلب، ومن اقتصر على أخذ المال قطع يده ورجله من خلاف، ومن أخاف السبيل ولم يأخذ المال نفي من الأرض، وإليه ذهب الشافعي والأكثرون. والذي يدل على


(١) رواه ابن ماجه في كتاب الفتن باب ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>