ظاهر اللفظ، ولأنه قد يدخل المرء إعجاب بسبب القراءة حيث إنها طاعة موجبة للثواب فيناسب أن يستعيذ من ذلك.
الثانية: الأكثرون على أن الاستعاذة مندوبة، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلّم الأعرابي الاستعاذة في جملة أعمال الصلاة، وزيف بأن الخبر غير مشتمل على بيان جملة واجبات الصلاة، فلا يلزم من عدم ذكر الاستعاذة فيه عدم وجوبها. وعن عطاء أن الاستعاذة واجبة في كل قراءة في الصلاة وغيرها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليها. وقال تعالى: فَاتَّبِعُوهُ [الأنعام: ١٥٣ و ١٥٥]«١» ولأن الأمر في «فاستعذ» للوجوب. وإنما تجب عند كل قراءة لأنه قال: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ وذكر الحكم عقيب الوصف المناسب يدلّ على التعليل، والحكم يتكرّر بتكرّر العلّة. ولأن الاستعاذة لدفع شر الشيطان، ودفعه واجب، وما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب. وعن ابن سيرين وجوبها في العمر مرة واحدة وعن مالك أنه لا يتعوّذ في المكتوبة إلا في قيام رمضان.
الثالثة: المستحبّ فيها الإسرار في الصلاة وإن كانت جهرية إلحاقا لها بما قبلها من الذكر وهو دعاء الاستفتاح، ولأن الجهر كيفية وجودية، والإخفاء عبارة عن عدم تلك الكيفية والأصل هو العدم، وأنها تستحبّ في كل ركعة لما مرّ من أنّ الحكم يتكرر بتكرر العلة لكنها آكد في الأولى.
الرابعة: اعلم أن الكلام في معنى قول القائل: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» ، يتعلق بخمسة أركان: الاستعاذة، والمستعيذ، والمستعاذ له، والمستعاذ منه، وما لأجله الاستعاذة. فههنا أبحاث:
البحث الأول: معنى العوذ الالتجاء أو الالتصاق. قال الجوهري: أطيب اللحم عوّذه وهو ما التصق منه بالعظم. أي التجئ إلى رحمة الله، أو التصق بفضله. والباء في «بالله» للإلصاق، كما أن «من» في «من الشيطان» للابتداء، لأنه ابتدأ بالتبري من الشيطان والتصق برحمة الله تعالى وإعانته. واستعاذة لا تتمّ إلا بأن يعلم العبد كونه عاجزا عن جلب المنافع الدينية والدنيوية ودفع المضارّ العاجلة والآجلة، وأن الله تعالى قادر على إيصال المنافع
(١) إن الضمير في أمر قوله تعالى فَاتَّبِعُوهُ عائد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفقا لسياق كلام المؤلف. وعلى هذا تكون الآية التي أرادها المؤلف هي ١٥٨ من سورة الأعراف، وهي قوله تعالى: ... فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ. فاقتضى التنويه.