ودفع المضار لا قدرة على ذلك لأحد سواه تعالى. ويتولد عن هذا العلم في القلب حالة هي انكسار وخضوع، ويحصل منها في القلب أن يصير العبد مريدا لأن يصونه الله تعالى عن الآفات ويفيض عليه الخيرات، ثم يصير بلسانه طالبا لذلك فيقول:«أعوذ بالله» . فالركن الأعظم في الاستعاذة هو أن يعلم العبد أنّ الله تعالى عالم بكل المعلومات، وإلا جاز أن لا يعلم حاله فتقع الاستعاذة عبثا وأن يعلم أنه قادر على جميع الممكنات، وإلّا فربّما كان عاجزا عن تحصيل مراد العبد وأن يعلم أنه جواد معطاء، وإلا لجاز أن يبخل بمقصوده وأن يعلم أنه لا يقدر أحد سوى الله على تحصيل مرامه، وإلا لم يكن صادق الرغبة في الاستعاذة به. والحاصل أن العبد ما لم يعرف عزة الربوبية وذلّة العبودية لم تصح منه الاستعاذة. ومما يدلّ على ذلّة الإنسان وعجزه أن بعض الأكياس ربما يبقى في شبهة واحدة طول عمره ولا تنكشف له إلى أن يجيء بعده من يحلها. ولهذا وقع الاختلاف في الأديان والمذاهب، ولولا إعانة الله تعالى وإرشاده لم تتخلص سفينة فكره من أمواج الضلالات.
وأيضا كل واحد يريد أن يحصل له الدين الحق ولا يرضى لنفسه الجهل والكفر، ولكم من مضلّ مبطل في الدنيا، فلا خلاص من ظلمات الشبهات إلا بإعانة رب الأرض والسموات.
ولا يقع الحد الأوسط للمطالب في الذهن إلّا بهداية من بيده مفاتيح الخيرات. وأيضا البدن يشبه الجحيم وعليها تسعة عشر من الزبانية وهي: الحواس الخمس الظاهرة، والخمس الباطنة، والقوى الطبيعية السبع، والشهوة، والغضب ومجال تصرّف كلّ منها غير متناه بحسب الشخص والعدد، ويحصل من كل منها أثر في القلب يجرّه من أوج عالم الروحانيات إلى حضيض الجسمانيات فلا خلاص للقلب عن هذه الظلمات إلا بنور الله تعالى. وأيضا كما أنه لا نهاية لمراتب الكمالات فلا نهاية لدرجات الحرص على اللذات الحسيات والخيالات، وكما أنه لا يمكن تحصيل الكمالات التي لا نهاية لها فكذا لا يمكن إزالة مرض الحرص على اللذات فيجب الرجوع إلى واهب السعادات الحقيقات. وفي بعض الكتب الإلهية قال الله تعالى:
«وعزّتي وجلالي لأقطعنّ أمل من يؤمل غيري باليأس، وألبسنه ثوب المذلة عند الناس، ولأجنبنه من قربي، ولأبعدنه من وصلي، ولأجعلنه متفكرا حيران يؤمل غيري في الشدائد، والشدائد بيدي وأنا الحي القيوم، ويطرق بالفكر أبواب غيري وبيدي مفاتيح الأبواب، وهي مغلقة وبابي مفتوح لمن دعاني» .
ثم الكلام في صحة الاستعاذة كالكلام في سائر الأدعية والعبادات التي جعلها الله تعالى سببا وواسطة لحصول الكمالات العاجلة والآجلة للعبد. وذلك أنه تعالى: فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ [هود: ١٠٧] خالق لما يشاء كما يشاء لا اعتراض لأحد من خلقه عليه وعلى أفعاله وعلى