يحتاج إليهم عند النزاع وَإِذا حَضَرَ ظرف للشهادة حِينَ الْوَصِيَّةِ بدل منه. وفي هذا دليل أن الوصية مما لا ينبغي أن يتهاون بها المسلم عند ظهور أمارات الموت فكأنّ وقتيهما واحد وهما متلازمان. وارتفع اثْنانِ على أنه قام مقام الخبرية أي شهادة بينكم شهادة اثنين، أو على أنه فاعل فعل محذوف والتقدير شهادة ما بينكم أن يشهد اثنان. وفي قوله مِنْكُمْ ومِنْ غَيْرِكُمْ قولان: فعن الحسن والزهري وعليه جمهور الفقهاء أن مِنْكُمْ أي من أقاربكم ومِنْ غَيْرِكُمْ أي من الأجانب. والمعنى إن وقع الموت في السفر ولم يكن معكم أحد من أقاربكم فاستشهدوا على الوصية أجنبيين. وجعل الأقارب أولى لأنهم أعلم بحال الميت وأرأف به. وعن ابن عباس وأبي موسى الأشعري وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وشريح ومجاهد وابن جريج وابن سيرين أن مِنْكُمْ أي من أهل ملتكم ومِنْ غَيْرِكُمْ أي من كافر كان يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا أو عابد وثن. قال الشافعي: مرض رجل من المسلمين في الغربة فلم يجد أحد من المسلمين يشهده على وصيته فأشهد رجلين من أهل الكتاب فقدما الكوفة وأتيا أبا موسى الأشعري وكان واليا عليها فأخبراه بالواقعة. فقال أبو موسى: هذا أمر لم يقع بعد النبي صلى الله عليه وسلم فحلفهما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العصر بالله العظيم أنهما ما كذبا وما بدلا وأجاز شهادتهما. والذاهبون إلى هذا القول احتجوا بأن الخطاب في مِنْكُمْ لجميع المؤمنين فيلزم أن يكون غيرهم كافرين، وبأن هذين الشاهدين لو كانا مسلمين لم يكن الاستشهاد بهما مشروطا بالسفر لجواز ذلك في الحضر أيضا بالاتفاق، وبأنه تعالى أوجب الحلف عليهما والشاهد المسلم لا يجب تحليفه البتة، وبأن الشاهدين في سبب النزول كانا نصرانيين وبأن أبا موسى قضى بذلك ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، وبأن الضرورات تبيح المحظورات كالتيمم والإفطار وأكل الميتة، والمسلم إذا قرب أجله ولم يجد مسلما ولا تقبل شهادة الكفار ضاع أكثر مهماته فقد يكون عليه زكوات وكفارات وديون ولديه ودائع وله مصالح ولمثل هذه الضرورة جوّزنا شهادة النساء فيما يتعلق بأحوال النساء كالحيض والحبل والولادة. وللأولين أن يجيبوا بأن حذف المضاف غير عزيز وبأن ذكر السفر ليس لأجل اشتراط قبول الشهادة ولكن لأجل أن الغالب في السفر فقدان الأقارب ووجود الأجانب، وبأن التحليف مشروط بالريبة
وقد روي عن علي كرم الله وجهه أنه كان يحلف الشاهد والراوي إذا اتهمهما،
وبأن سبب النزول لا يلزم أن ينطبق على الحكم حذو القذة بالقذة، وبأن قصة أبي موسى خبر الواحد، وبأن الضرورة كانت في أوّل الإسلام لقلة المسلمين وتعذرهم في السفر غالبا. ومما يصلح أن يكون مؤكدا لهذه الآية وإن لم يجز أن يكون ناسخا لها عند من يرى أن المائدة من آخر القرآن نزولا قوله تعالى وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ