[الطلاق: ٢] وليس المراد من العدالة الاحتراز عن الكذب في النطق فقط بل في الدين والاعتقاد، ولا كذب أعظم من الفرية على الله تعالى وعلى رسله. وإنما تقبل شهادة أهل البدع والأهواء من هذه الأمة احتشاما لكلمة الإسلام. وموقع تَحْبِسُونَهُما أي توقفونهما وتصيرونهما استئناف كأنه قيل: فكيف نعمل إن ارتبنا؟ فقيل تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ قال ابن عباس: من بعد صلاة دينهما. وقال عامة المفسرين: من بعد صلاة العصر لأن هذا الوقت كان معروفا عندهم بالتحليف بعده، ولفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث دعا بعدي وتميم فاستحلفهما عند المنبر بعد صلاة العصر، ولأن جميع أهل الأديان يعظمون هذا الوقت ويذكرون الله تعالى فيه ويحترزون عن الحلف الكاذب، وأهل الكتاب يصلون لطلوع الشمس وغروبها. وقال الحسن: المراد بعد الظهر وبعد العصر لأن أهل الحجاز كانوا يقعدون للحكومة بعدهما. وقيل: بعد أي صلاة كانت لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. قال الشافعي: الأيمان تغلظ في الدماء والطلاق والعتاق والمال إذا بلغ مائتي درهم بالزمان والمكان، فيحلف بعد العصر بمكة بين الركن والمقام وبالمدينة عند المنبر، وفي بيت المقدس عند الصخرة، وفي سائر البلدان في أشرف المساجد. وقد تغلظ بالتكرير والتعديل كما في القسامة واللعان أو بزيادة الأسماء والصفات، وقال أبو حنيفة: يحلف من غير التغليظ بزمان أو مكان. ولا يخفى أن قول الشافعي أوفق للآية. والمقسم عليه قوله لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وقوله إِنِ ارْتَبْتُمْ اعتراض، والضمير في بِهِ، للقسم وفي كان للمقسم له يعني لا نستبدل بصحة القسم بالله عرضا من الدنيا ولو كان من يقسم له قريبا منا، أرادوا أن هذه عادتهم في صدقهم وأمانتهم أبدا كقوله شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ وخص ذا القربى بالذكر لأن الميل إليهم أتم والمداهنة بينهم أكمل وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ [النساء:
١٣٥] التي أمر بحفظها وتعظيمها وأدائها إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ أي إذا كتمناها كنا من الآثمين. ونقل عن الشعبي أنه وقف على قول الله عز وجل شَهادَةُ ثم ابتدأ اللَّهِ بالمد على حذف حرف القسم وتعويض حرف الاستفهام منه. وروى عنه بغير مدّ على ما ذكره سيبويه أن منهم من يقول: الله لقد كان كذا والمعنى بالله فَإِنْ عُثِرَ قال الليث: عثر الرجل يعثر عثورا إذا هجم على أمر لم يهجم عليه غيره وقريب منه العثار لأن العاثر إنما يعثر بشيء كان لا يراه. والمعنى فإن حصل الاطلاع على أنهما استحقا إثما- وهو كناية عن الخيانة والحنث في الحلف- فَآخَرانِ خبر مبتدأ محذوف، أو فاعل فعل محذوف، أو صفة مبتدأ محذوف أي فالشاهدان أو فليشهد أو فشاهدان آخران يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ قال في الكشاف: أي الإثم ومعناه من الذين جني عليهم وهم أهل الميت وعشيرته. وفي التفسير الكبير أنه المال. وإنما وصف موالي الميت بذلك لأنه أخذ مالهم وكل من أخذ