للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالمفسر إما فعل القول أو فعل الأمر ولا وجه لكليهما. أما فعل القول فيحكى بعده الكلام بلا «أن» فيقال: ما قلت لهم إلا اعبدوا الله اللهم إلا أن يقال: إن المضاف محذوف والتقدير ما أمرتني بقوله، فيكون التفسير الصريح القول المقدر، وصريح القول المقدّر كالفعل المؤوّل بالقول في عدم الظهور حتى يجوز توسيط «أن» . وأما فعل الأمر فمسند إلى ضمير الله، فلو فسرته ب اعْبُدُوا اللَّهَ لم يستقم لأن الله لا يقول اعبدوا الله ربي وربكم، وإن جعلتها مصدرية عند من يجوّز دخولها على الطلبية، فإن كان بدلا من ما أَمَرْتَنِي والمبدل في حكم السقوط كان المعنى ما قلت لهم إلا عبادته ولا يستقيم، لأن العبادة لا تقال، وإن جعلته بدلا من الهاء في بِهِ لم يصح أيضا لأنه يؤل المعنى بعد طرح المبدل إلى قولك إلا ما أمرتني بأن اعبدوا الله فيبقى الموصول بلا عائد. فإذن الوجه أن يحمل فعل القول على معناه فيكون أصل المعنى ما أمرتهم إلا بما أمرتني به حتى يستقيم تفسيره بأن اعبدوا الله ربي وربكم إلا أنه وضع القول موضع الأمر رعاية للأدب كيلا يجعل نفسه وربه آمرين ودل على الأصل بذكر «أن» المفسرة. قال في الكشاف: ويجوز أن تكون «أن» مصدرية عطف بيان للهاء لا بدلا، وحينئذ يبقى العائد بحاله وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً كالشاهد على المشهود عليه أمنعهم من التدين بما يوجب التفكير ما دُمْتُ فِيهِمْ مدة دوامي فيما بينهم فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي بالرفع إلى السماء كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ الحافظ عَلَيْهِمْ المراقب لأحوالهم وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ من الشهادة أو من الشهود بمعنى الحضور.

وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فيه سؤال وهو أنه كيف جاز لعيسى هذا القول والله تعالى لا يغفر الشرك؟ والجواب أن قوله لعيسى عليه السلام أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ مبني على أن قوما من النصارى حكوا عنه هذا الكلام، والحاكي لهذا الكفر عنه لا يكون كافرا بل يكون مذنبا فقط، ولو سلم أنه أشرك فغفران الشرك جائز عندنا وعند جمهور البصريين من المعتزلة لأن العقاب حق الله على المذنب وليس في إسقاطه على الله تعالى مضرة، بل كلما كان الجرم أعظم كان العفو أحسن، إلا أن الدليل السمعي في شرعنا دل على أنه لا يكون فلعل هذا الدليل السمعي لم يكن موجودا في شرع عيسى عليه السلام، أو لعل عيسى جوّز أن يكون بعضهم قد تاب عنه. أما من زعم أن هذه المناظرة والمحاورة إنما كانت عند رفعه إلى السماء فلا إشكال أصلا لأن المراد إن توفيتهم على هذا الكفر وعذبتهم فإنهم عبادك فلك ذاك، وإن أخرجتهم بتوفيقك من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان وغفرت لهم ما سلف منهم فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ القادر على ما تريد الْحَكِيمُ في كل ما تفعل لا اعتراض لأحد عليك، وفى

<<  <  ج: ص:  >  >>