للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مصحف عبد الله فإنك أنت الغفور الرحيم وضعفه العلماء لأن ذلك يشعر بكونه شفيعا لهم لا على تفويض الأمر بالكلية إلى حكمه تعالى، والمقام مقام هذا لا ذاك، وعن بعضهم أن ذكر الغفور والرحيم يشبه الحالة الموجبة للمغفرة والرحمة، وأما العزة والحكمة فلا يوجبان إلا التعالي عن جميع جهات الاستحقاق، فحصول المغفرة بعد ثبوت هذا الاستغناء والعزة يكون أدل على كمال العفو والرحمة فإن العفو عند المقدرة. قال بعض العلماء: في الآية نوع شفاعة من عيسى عليه السلام لفساق أمته، فلأن يثبت ذلك من محمد صلى الله عليه وسلم لفساق أمته أولى هذا يَوْمُ يَنْفَعُ من قرأ بالرفع فظاهر وأنه في تقدير الإضافة أي هذا يوم منفعة الصادقين، ومن قرأ بالنصب فإما على أنه ظرف ل قالَ، وإما على أن هذا مبتدأ والظرف خبر أي هذا الذي ذكرنا من كلام عيسى واقع في هذا اليوم كقولك: القتال يوم السبت.

وقال الفراء: يوم أضيف إلى ما ليس باسم فبني على الفتح كما في «يومئذ» وخطأه البصريون وقالوا: إنما يبنى الظرف إذا أضيف إلى المبنى كالماضي في قول النابغة:

على حين عاتبت المشيب على الصبا أو مثل «لا» في قوله تعالى يَوْمَ لا تَمْلِكُ [الانفطار: ١٩] وأجمعوا على أن هذا اليوم يوم القيامة. والمراد أن صدقهم في الدنيا ينفعهم في القيامة كما قال قتادة: متكلمان تكلما يوم القيامة: أما إبليس فقال إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ [إبراهيم: ٢٢] فصدق وكان قبل ذلك كاذبا فلم ينفعه، وأما عيسى فكان صادقا في الدنيا وفي الآخرة فنفعه صدقه. وفي هذا الكلام تصديق من الله تعالى لعيسى في قوله ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ هما متلازمان لأن رضا الله عن العبد في رعاية وظائف العبودية وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: ٥٦] وإذا صحح الإنسان نسبة العبودية علم أن العبد لا يكون له إرادة واختيار فتكون إرادته مغمورة في إرادة ربه. ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ إشارة إلى جميع المذكورات أو إلى الجزء الأشرف الأقرب وهو الرضوان ما فِيهِنَّ لم يقل «ومن فيهن» ليكون أدل على العموم، ولينبه على أن عقول ذوي العقول وعلوم أرباب العلوم بالنسبة إلى علمه كلا علم، وإنما هم وغيرهم تحت قهره وتسخيره سواء. واعلم أنه سبحانه افتتح السورة بقوله أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة: ١] وهو الشريعة والبداية وختم السورة بهذه الآية الدالة على فناء الكل في جنب جلاله وكبريائه وهو الحقيقة والنهاية، فما أحسن هذا النسق! وأيضا في السورة بيان الشرائع والأحكام الكثيرة والمناظرة مع اليهود والنصارى، فهذا الاختتام ذكر فيه أن سبحانه مالك لجميع الممكنات والكائنات موجد لجميع الأرواح والأجساد ليصح التكليف على أيّ وجه أراد، وليكون ردا على اليهود بحكم المالكية في

<<  <  ج: ص:  >  >>