مكة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد إنا قد علمنا أنه إنما يحملك على ما تدعونا إليه الحاجة فنحن نجعل لك نصيبا من أموالنا حتى تكون من أغنانا رجلا وترجع عما أنت عليه فنزل وَلَهُ ما سَكَنَ الآية.
قيل: اشتقاقه من السكون والتقدير كل ما سكن وتحرك كقوله سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [النحل: ٨١] أي تقيكم الحر والبرد فاكتفى بذكر أحدهما عن الآخر للقرينة. والأصوب أن يقال: اشتقاقه من السكنى كما يقال: فلان سكن ببلد كذا أي حل فيه. والمراد كل ما حل في الوقت والزمان سواء كان متحركا أو ساكنا، وذلك أن الدخول تحت الزمان يستلزم التغير والحدوث فلا بد له من محدث يتقدم عليه وعلى نفس الزمان وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ الذي يسمع نداء المحتاجين ويعلم حاجات المضطرين فيوصل كل ممكن إلى كمال يليق به ويستعدّ له.
ثم لما كان لزاعم أن يزعم أن الذي يتعالى عن المكان وعن الزمان قد يكون ممكنا في نفسه كالمفارقات التي يثبتها الفلاسفة فلا جرم قال قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ منكر الاتخاذ غير الله وَلِيًّا ولذلك قدم المفعول لكونه أهم، ولو كان حرف الاستفهام داخلا على الفعل توجه الإنكار أوّلا إلى نفس اتخاذ الولي وأنه غير مهم فاطِرِ السَّماواتِ عطف بيان من اللَّهِ أو بدل. وقرىء بالرفع على إضمار هو، وبالنصب على المدح. وعن ابن عباس: ما عرفت معنى الفاطر حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها أي ابتدأتها. وقال ابن الأنباري: أصل الفطر الشق وقد يكون شق إصلاح كقوله فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [فاطر: ١] أي خالقهما ومنشئهما بالتركيب الذي سبيله أن يحصل فيه الشق والتأليف عند ضمه بعض الأشياء إلى بعض. وقد يكون شق إفساد ومنه قوله تعالى هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ [الملك: ٣] إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ [الانفطار: ١] وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ أي هو الرازق لغيره ولا يرزقه أحد. والرزق والإطعام وإن كانا متغايرين وإلا لم يحسن العطف في قوله ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ [الذاريات: ٥٧] إلا أنهما متقاربان فحسن جعل أحدهما كناية عن الآخر. وقرىء وَهُوَ يُطْعِمُ مبنيا للمفعول على أن الضمير لغير الله وقرىء وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ كلاهما للفاعل. والمعنى هو يطعم تارة ولا يطعم أخرى كقوله وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ [البقرة: ٢٤٥] أو الثاني بمعنى لا يستطعم. وحاصل الآية أنه يجب شغل القلب كله بالله وقطع العلائق بالكلية عما سواه لأنه الجواد المطلق الذي يهب لا لعوض ولا انتفاع. ثم بيّن أن النبي أيضا داخل في تكليف المعرفة بل هو أسبق قدما في ذلك فقال قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وقيل لي لا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وفيه أن الواعظ يجب أن يتعظ أوّلا بما يقوله، فالمريض لا