يتصور منه العلاج. ثم ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم مع جلالة قدره بصدد المؤاخذة على تقدير المخالفة فقال قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ولا يلزم من هذا جواز المعصية عنه لأن الفرض قد يتعلق بالمستحيل كقولك: إن كانت الخمسة زوجا فهي منقسمة بمتساويين.
من قرأ مَنْ يُصْرَفْ مبنيا للفاعل فالضمير فيه عائد إلى الله والمفعول وهو العذاب محذوف لكونه معلوما أو مذكورا قبله. قال في الكشاف: ويجوز أن تنصب يومئذ على أنه مفعول به ل يُصْرَفْ أي من يصرف الله عنه ذلك اليوم أي هو له، ومن قرأ على بناء المفعول فهو مسند إلى ضمير العذاب، ولم يسم الفاعل وهو الله تعالى للعلم به فَقَدْ رَحِمَهُ أي الله الرحمة العظمى كقولك: إن أطعمت زيدا من جوعه فقد أحسنت إليه يعني كمال الإحسان. أو المراد فقد أدخله الجنة فإن من لم يعذب لم يكن له بد من الثواب تفضلا أو استيجابا. قالت الأشاعرة: في الآية دلالة على أن إيصال الثواب على الطاعة غير واجب وإنما هو ابتداء فضل وإحسان وإلا لم يحسن ذكر الرحمة هاهنا، ألا ترى أن الذي يقبح منه أن يضرب زيدا فإذا لم يضربه لا يقال أنه رحمه؟ وَذلِكَ أي صرف العذاب وإيصال الثواب على سبيل التفضل أو الاستيجاب الْفَوْزُ الْمُبِينُ لأنه المطلب الأعلى والمقصد الأسنى لكل مكلف. ثم أكد المعنى المذكور وهو أنه لا يجوز للعاقل أن يرغب في اتخاذ ولي غير الله بقوله وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ من مرض أو فقر أو غير ذلك من البليات فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ من غنى أو صحة فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عمم الحكم لندرج تحته كل خير والحاصل أن اندفاع جميع المضار بقدرته، وكذا حصول جميع الخيرات لأن كل ما عداه فإنما هو تحت قهره وتسخيره وقد حصل بإيجاده وتكوينه، فإن الممكن لذاته لا يوجد إلا بإيجاد الواجب لذاته، ورأس المضارّ هو الكفر، وسنام الخيرات هو الإيمان، ولن يحصل نفرة الكفر وداعية الإيمان إلا بتوفيقه تعالى. وكل ما يتصور أنه قد نفع أو ضر من الجمادات أو المختارات فإن ذلك ينتهي إلى تخليق الله وجعله ذلك الشيء واسطة لذلك النفع أو الضر، فلا ضارّ ولا نافع بالحقيقة إلا هو سبحانه. ثم زاد لهذا المعنى بيانا فقال وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وهو إشارة إلى كمال القدرة وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ وإنه إشارة إلى كمال العلم. فالحكمة أعم من العلم لأنها عمل وعلم، وكونه خبيرا أخص من العلم لأنه العلم ببواطن الأمور وخباياها، فإذا اجتمعت هذه المعاني حصل العلم بكماله وغايته، وقد استدل بظاهر الآية من أثبت الفوقية لله تعالى وعورض بوجوه منها: أنه لو كان فوق العالم فإن كان في الصغر بحيث لا يتميز منه جانب من جانب كالجوهر الفرد مثلا فذلك لا يقوله عاقل، وإن كان ذاهبا في الأقطار كلها كان متجزئا. والجواب أنه لم لا يجوز أن يكون نورا قائما بذاته غير متناه لا متجزئا ولا متبعضا قاهرا لجميع الأنوار غالبا على جميع الأشياء، فلا غاية لجوده ولا نهاية