روي أنه صلى الله عليه وسلم قال «من طلب ما لم يخلق أتعب نفسه ولم يرزق. قيل: وما هو يا رسول الله؟ قال: سرور يوم بتمامه»
وهب أن الدست له قد تم، أليس مآل كل ذلك إلى الزوال والانقراض؟ وكفى بذلك نقصا وكدرا كما قال:
كمال الغم عندي في سرور ... تيقن عنه صاحبه انتقالا
ثم سلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال قَدْ نَعْلَمُ والمراد كثرة العلم والمبالغة كما مر في قوله قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ [البقرة: ١٤٤] والهاء في إِنَّهُ ضمير الشأن وكسرت بعد العلم لمكان لام الابتداء في لَيَحْزُنُكَ وما ذلك المحزن؟ قال الحسن: هو قولهم ساحر شاعر كاهن مجنون. وقيل: تصريحهم بأنهم لا يؤمنون به ولا يقبلون دينه. وقيل: نسبتهم إياه إلى الكذب فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ قال أبو علي وثعلب: أكذبه وكذبه بمعنى. وقيل: أكذبت الرجل ألفيته كاذبا، وكذبته إذا قلت له كذبت. وقال الكسائي: أكذبته إذا أخبرت أنه جاء بالكذب ورواه وكذبته إذا أخبرت أنه كاذب. وقال الزجاج: معنى كذبته قلت له كذبت، ومعنى أكذبته أن الذي أتى به كذب في نفسه من غير ادعاء أن ذلك القائل تكلف ذلك الكذب وأتى به على سبيل الافتعال والقصد. فمن قرأ بالتخفيف نظر إلى أن القوم كانوا يعتقدون أن محمدا صلى الله عليه وسلم ما ذكر ذلك على سبيل الافتعال والترويج بل تخيل صحة ذلك وأنه نبي إلا أن تخيله باطل. ثم إن ظاهر الآية يقتضي أنهم لا يكذبون محمدا صلى الله عليه وسلم ولكنهم يجحدون بآيات الله، وفي الجمع بين الأمرين وجوه: الأول أن القوم ما كانوا يكذبونه في السر ولكنهم كانوا يكذبونه في العلانية ويجحدون القرآن ونبوته ويؤكده رواية السدي أن الأخنس بن شريق وأبا جهل بن هشام التقيا فقال الأخنس لأبي جهل: يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس هاهنا أحد يسمع كلامك غيري. فقال أبو جهل: والله إن محمدا لصادق وما كذب محمد قط، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش فنزلت.
وقال أبو ميسرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بأبي جهل وأصحابه فقالوا يا محمد إنا والله ما نكذبك إنك عندنا لصادق ولكن نكذب ما جئت به فنزلت.
وقال مقاتل: نزلت في الحرث بن عامر بن نوفل كان يكذب النبي صلى الله عليه وسلم في العلانية، فإذا خلا مع أهل بيته قال: ما محمد من أهل الكذب ولا أحسبه إلا صادقا فإذن هذه الآية نظير قوله تعالى في قصة موسى وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا [النمل:
١٤] فانظر. الثاني في تأويل الآية أنهم لا يقولون إنك كذاب لأنهم جربوك الدهر الطويل وما وجدوا منك كذبا وسموك الصادق الأمين فلا يقولون بعد إنك كاذب، ولكن جحدوا