صحة نبوتك ورسالتك إما لأنهم اعتقدوا أن محمدا عرض له نوع خبل ونقصان فلأجل ذلك تخيل أنه رسول لا أنه كذب في نفسه، أو لأنهم زعموا أنه أمين في كل الأمور إلا في هذا الواحد. الثالث أنه لما ظهرت المعجزات على يده ثم إن القوم أصروا على التكذيب فقال له إن القوم ما كذبوك وإنما كذبوني، ونحوه قول السيد لغلامه إذا أهانه بعض الناس: إنهم لم يهينوك وإنما أهانوني ومثله قوله سبحانه إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ [الفتح:
١٠] فكأنه قيل له: إله عن حزنك لنفسك وليشغلك عن ذلك ما هو أهم وهو استعظامك لجحود آيات الله والاستهانة بكتابه. الرابع: قيل في التفسير الكبير: أي لا يخصونك بهذا التكذيب بل ينكرون دلالة المعجزة على الصدق مطلقا ويكذبون جميع الأنبياء والرسل.
وقوله وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ من إقامة المظهر مقام المضمر تسجيلا عليهم بالظلم في جحودهم، لأن من وضع التكذيب مقام التصديق فقد ظلم. ثم صبر رسوله على أذية القوم فقال وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ وأيّ رسل مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا فأنت أولى بهذه السيرة لأنك مبعوث إلى كافة الخلائق فاصبر كما صبروا تظفر كما ظفروا. وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ أي لمواعيده في نحو قوله كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي [المجادلة: ٢١] وقوله وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ [الصافات: ١٧١] وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ قال الأخفش «من» زائدة والأصح أنها للتبعيض لقلة مجيء زيادة «من» في الإثبات، ولأن الواصل إليه بعض قصص الأنبياء لقوله مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ [غافر: ٧٨] فالتقدير: ولقد جاءك بعض أنبائهم. وكان يكبر على النبي صلى الله عليه وسلم كفر قومه وإعراضهم عما جاء به فنزلت وَإِنْ كانَ كَبُرَ أي شق عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ عن الإيمان وصحة القرآن فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ فافعل. يعني أنك لا تستطيع ذلك والجواب محذوف وحسن للعلم به. والنفق سرب في الأرض له مخلص إلى مكان ومنه اشتقاق المنافق. والسلم واحد السلاليم التي يرتقي عليها وأصله من السلامة كأنه يسلمك إلى مصعدك. والمراد بيان حرصه على إسلام قومه وأنه لو استطاع أن يأتي بآية من تحت الأرض أو من فوق السماء لأتى بها وبكل ما اقترحوه رجاء إيمانهم، ويجوز أن يكون ابتغاء النفق أو السلم هو الآية كأنه قيل: لو استطعت ذلك لفعلت كل ذلك ليكون لك آية يؤمنون عندها، ثم قال وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى قال أهل السنة: فهو دليل على أنه تعالى لا يريد الإيمان من الكافر. وقالت المعتزلة: المراد مشيئة الإلجاء المنافي للتكليف.
والإلجاء هو أن يعلمهم أنهم لو حاولوا غير الإيمان لمنعهم منه فيضطرون إلى الإيمان.
مثاله: أن يحصل شخص بحضرة السلطان وهناك خدمه وحشمه فيعلم أنه لو هم بقتل ذلك