الحشر سواء كان جازما به أو شاكا فيه. وأيضا إنه مأمور بتبليغ الكل فلا وجه للتخصيص.
وقيل: إنهم قوم مسلمون مفرطون في العمل فينذرهم بما أوحي إليه لعلهم يدخلون في زمرة أهل التقوى من المسلمين. وقيل: هم أهل الكتاب لأنهم مقرون بالبعث. ومعنى إِلى رَبِّهِمْ إلى حكمه وقضائه فلا يلزم منه مكان ولا جهة. أما قوله لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ فقال الزجاج: إن الجملة في موضع الحال من ضمير يُحْشَرُوا أي يخافون أن يحشروا غير منصورين ولا مشفوعا لهم. فإن كان الضمير للكفار فظاهر، وإن كان للمؤمنين فشفاعة الملائكة والرسل إذا كانت بإذن الله تعالى فإنها تكون بالحقيقة من الله تعالى فصح أنه ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع، ولا بد من هذه الحال لأن الحشر مطلقا ليس مخوفا وإنما المخوف هو الحشر على هذه الحالة لأنهم اعتقدوا أن لا ناصر ولا شفيع إلا الله وإذا لم يكن الله ناصرا وشفيعا لزم أن لا يكون ناصرا أصلا. لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ قال ابن عباس: لكي يخافوا في الدنيا وينتهوا عن الكفر والمعاصي. قالت المعتزلة: فيه دلالة على أنه أراد من الكفار التقوى والطاعة. وأجيب بأن الترجي راجع إلى العباد. ولما أمر بإنذار عموم المكلفين ليتقوا أردفهم بذكر المتقين وأمر بتقريبهم وإكرامهم.
روي عن ابن مسعود أن الملأ من قريش مروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم- وعنده صهيب وبلال وخباب وعمار وغيرهم من ضعفاء المسلمين- فقالوا: يا محمد، أرضيت بهؤلاء أتريد أن نكون تبعا لهؤلاء؟ اطردهم عنك فلعلك إن طردتهم اتبعناك. فقال صلى الله عليه وسلم: ما أنا بطارد المؤمنين. فقالوا: فأقمهم عنا إذا جئنا فإذا قمنا فأقعدهم معك إن شئت. فقال: نعم طمعا في إيمانهم.
وروي أن عمر قال له: لو فعلت حتى ننظر إلى ماذا يصيرون. ثم إنهم قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم: اكتب بذلك كتابا، فدعا بالصحيفة وبعلي ليكتب فنزلت وَلا تَطْرُدِ الآية. فرمى بالصحيفة واعتذر عمر عن مقالته.
قال سلمان وخباب: فينا نزلت. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعد معنا وندنو منه حتى تمس ركبتنا ركبته، وكان يقوم عنا إذا أراد القيام فنزلت وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ [الكهف: ٢٨] فترك القيام عنا إلى أن نقوم عنه. وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع قوم من أمتي معكم المحيا ومعكم الممات، أثنى الله عليهم بأنهم يدعون ربهم بالغداة والعشي.
قال ابن عباس والحسن ومجاهد: أي يصلون صلاة الصبح والعصر. وقيل: أي يذكرون ربهم طرفي النهار، والمراد بالغداة والعشي الدوام. والغداة لغة ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس، والعشي ما بين الزوال إلى الغروب. قال الجوهري: غدوة بالتنوين نكرة وبدونه معرفة غير مصروفة كسحر. ومحل يُرِيدُونَ وَجْهَهُ نصب على الحال أو على الاستئناف كأنه قيل: ما أرادوا بالمواظبة على الدعاء؟ فأجيب