بقوله يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ولا يثبت به لله تعالى عضو كما زعمت المجسمة ولكن المراد به التعظيم، فقد يعبر به عن ذات الشيء أو حقيقته كما يقال: هذا وجه الرأي وذاك وجه الدليل. وأيضا المحبة تستلزم طلب رؤية الوجه فلهذا السبب جعل الوجه كناية عن المحبة وطلب الرضا. ثم علل النهي بقوله ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ قيل: الضمير عائد إلى المشركين أي لا يؤاخذوا بحسابك ولا أنت بحسابهم حتى يهمك إيمانهم ويدعوك ذلك إلى أن تطرد المؤمنين، والأولى أن يعود إلى الفقراء ليناسب قوله فَتَطْرُدَهُمْ كما في قصة نوح إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي [الشعراء: ١١٣] وذلك أنهم طعنوا في دينهم وإخلاصهم وقالوا: يا محمد إنهم قبلوا دينك ولازموك لأجل المأكول والملبوس فقال الله تعالى: إن كان الأمر على ما زعموا فما يلزمك إلا اعتبار الظاهر إن كان لهم باطن غير مرضي فحسابهم لا يتعدى إليك كما أن حسابك لا يتعدى إليهم، فالجملتان لهما مؤدى واحد وهو المفهوم من قوله وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [الأنعام: ١٦٤] كأنه قيل: لا تؤاخذ أنت ولا هم بحساب صاحبه. وقيل: ما عليك من حساب رزقهم من شيء ولا من حساب رزقك عليهم من شيء، وإنما الرازق لك ولهم هو الله سبحانه فدعهم يكونوا عندك، أما قوله فَتَطْرُدَهُمْ فهو جواب النفي في ما عَلَيْكَ وفي انتصاب فَتَكُونَ وجهان: أحدهما أنه جواب النهي، والثاني أنه عطف على فَتَطْرُدَهُمْ على وجه التسبب، لأن كونه ظالما معلوم من طردهم ومسبب عنه، فإن طرد من يستوجب التقريب والترحيب وضع للشيء في غير موضعه ومن هنا طعن بعض الناس في عصمة النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: كان يقول كلما دخل أولئك الفقراء عليه بعد هذه الواقعة مرحبا بمن عاتبني ربي فيهم أو لفظ هذا معناه. والجواب أنه ما طردهم لأجل الاستخفاف بهم والاستنكاف من فقرهم وإنما أفرد لهم مجلسا تألفا لقلوب المشركين وتكثيرا لسواد الإسلام مع علمه بأنه لا يفوت الفقراء بهذه المصالحة أمر مهم في الدنيا ولا في الدين، فغاية ذلك أنه يكون من باب تبرك الأولى والأفضل، وَكَذلِكَ أي مثل ذلك الفتن العظيم فَتَنَّا ابتلينا بعض الناس ببعض، فأحد الفريقين وهم الكفار يرى الآخر مقدما عليه في المناصب الدينية فيقول أَهؤُلاءِ المسترذلون مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا كقوله: أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا [القمر: ٢٥] والفريق الآخر يرى الأول مقدما عليه في الخيرات العاجلة والخصب والسعة الراحة والدعة فيقول: أهذا هو الذي فضله الله علينا. وأما المحققون فهم الذين يعلمون أن كل ما فعله الله فهو صواب، ولا اعتراض عليه بحكم المالكية وبحسب رعاية الأصلح. وبالجملة فصفات الكمال غير محصورة ولا تجتمع في إنسان واحد البتة بل هي موزعة على الخلائق وكلها محبوبة لذاتها. فكل إنسان يحسد