للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفحواه أعرفتم التوصية به مشاهدين لأنكم لا تؤمنون بالرسل وتقولون إن الله حرم هذا فلم يبق إلا المشاهدة فتهكم بهم بذلك وسجل عليهم وعلى أمثالهم بالظلم بقوله: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فنسب إليه تحريم ما لم يحرم. قال المفسرون: يريد عمرو بن لحي بن قمعة الذي غيّر شريعة إسماعيل عليه السلام وبحّر البحائر وسيّب السوائب.

والأقرب أن اللفظ عام فيتناول كل مفتر وإذا استحق هذا الوعيد على افتراء الكذب في تحريم مباح فكيف إذا كذب على الله تعالى في مسائل التوحيد ومعرفة الذات والصفات والملائكة وفي النبوّات وفي المعاد؟! قال القاضي: في الآية دلالة على أن الإضلال عن الدين مذموم فلا يجوز أن ينسب إلى الله تعالى. وأجيب بأنه ليس كل ما كان مذموما منا كان مذموما من الله تعالى فإن تمكين العبيد من أسباب الفجور وتسليط الشهوة عليهم مذموم منّا دونه إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ قال القاضي: لا يهديهم إلى ثوابه وإلى زيادات الهدى التي يختص المهتدى بها. وقالت الأشاعرة: معناه أنه لا ينقل المشركين من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، ثم لما بيّن فساد طريقة الجاهلية فيما يحل ويحرم من المطاعم أتبعه البيان الصحيح في الباب فقال: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً أي طعاما محرما عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ على آكل يأكله إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذلك المأكول أو الموجود أو الطعام مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً مصبوبا سائلا. قال ابن عباس: يريد ما خرج من الأنعام وهي أحياء وما خرج من الأوداج عند الذبح فلا يدخل فيه الكبد والطحال لجمودهما، وما يختلط باللحم من الدم فإنه غير سائل. وسئل أبو مجلز عما يتلطّخ باللحم من الدم وعن القدر التي ترى فيها حمرة الدم فقال: لا بأس به إنما النهي عن الدم المسفوح. وباقي الآية ظاهر مما سلف في أمثالها، وانتصاب فِسْقاً على أنه معطوف على المنصوبات قبله، وأُهِلَّ صفة له منصوبة المحل سمي ما أهل به لغير الله فسقا لتوغله في باب الفسق كما يقال: فلان كرم وجود. وجوز أن يكون فِسْقاً مفعولا له من أُهِلَّ وعلى هذا فقد عطف أُهِلَّ على يَكُونَ والضمير في بِهِ يعود إلى ما يرجع إليه المستكن في يَكُونَ قالت العلماء: إن هذه السورة مكية وقد بيّن في الآية أنه لم يجد فيما أوحي إليه قرآنا أو غيره محرما سوى هذه الأربعة، وقد أكد هذا بما في النحل وفي البقرة مصدرة بكلمة «إنما» الدالة على الحصر فصارت المدنية مطابقة للمكية، والذي جاء في المائدة حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ إلى قوله: وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ [الآية: ٣] من أقسام الميتة ولكنه خص بالذكر لأنهم كانوا يحكمون على تلك الأشياء بالتحليل فثبت أن الشريعة من أولها إلى آخرها كانت مستقرة على هذا الحكم. وعلى هذا الحصر بقي الكلام في الخمر وفي سائر النجاسات

<<  <  ج: ص:  >  >>