ونهاية هي حالة الكهولية في الأغلب ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ وأنتم في صلبه وهذا من التمكين أيضا فَسَجَدُوا لاستعدادهم الفطري للسجود ولائتمارهم لأمر الله إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ من المستعدين للسجود لما فيه من الاستكبار الناري قالَ ما مَنَعَكَ خطاب الامتحان لجرم إبليس ليظهر به استحقاقه اللعن فإنه لو كان ذا بصيرة لقال في الجواب منعني تقديرك وقضاؤك ولكنه كان أعور العين اليمنى بصيرا بالعين التي رأى بها أنانيته فقال: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ أي منعني خيريتي منه أن أسجد لمن هو دوني، واستدل على خيريته بأنه خلق من نار وهي علوية نورانية لطيفة وآدم خلق من طين وهو سفلي ظلماني كثيف. وهذا القياس معارض بأن النار من خاصيتها الإحراق والفناء والطين من خواصه النشوء والإنماء والاستمساك الذي بقوته يصير الإنسان مستمسكا للفيض الإلهي ونفخ الروح فيه فاستحق سجود الملائكة لأنه صار كعبة حقيقية. فلما ابتلي إبليس بالصغار وطرد من الجوار أخذ في النوح وأيس من الروح ورضي بالعباد واطمأن بالحياة فقال: أَنْظِرْنِي فأجيب إلى ما سأل ليكون وبالا عليه ويزيد في شقوته، ولكن لم يجبه بأن لا يذيقه ألم الموت لقوله في موضع آخر إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ [ص: ٨١] قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لم تكن حوالته الإغواء إلى الله منه من نظر التوحيد وإنما كان للمعارضة والمعاندة لقوله: لَأُغْوِيَنَّهُمْ [الحجر: ٣٩] لَأَقْعُدَنَّ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ من الجهات التي فيها حظوظ النفس مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ من قبل الحسد على الأكابر من المشايخ والعلماء المعاصرين وَمِنْ خَلْفِهِمْ من قبل الطعن في الأكابر الأقدمين والسلف الصالحين. وَعَنْ أَيْمانِهِمْ من قبل إفساد ذات البين وإلقاء العداوة والبغضاء بين الإخوان وَعَنْ شَمائِلِهِمْ من جهة ترك النصيحة مع أهاليهم وأقاربهم وترك الأمر بالمعروف مع عامة المسلمين. أو المراد مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ من قبل الرياء والعجب وَمِنْ خَلْفِهِمْ من قبل الصلف والفخر وَعَنْ أَيْمانِهِمْ من قبل الادعاء وإظهار المواعيد والمواجيد وَعَنْ شَمائِلِهِمْ من قبل الافتراء على أنفسهم ما ليس فيها من الكشوف والأحوال. أو مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ من قبل الاعتراض على الشيخ وَمِنْ خَلْفِهِمْ من قبل التفريق والإخراج عن صحبة الشيخ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ من قبل ترك حشمة المشايخ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ من قبل مخالفة الشيخ والرد بعد القبول. أو مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ أثوّر عليهم أهاليهم وأولادهم ليمنعوهم عن طلب الحق وَمِنْ خَلْفِهِمْ أثور عليهم آباءهم وأمهاتهم وَعَنْ أَيْمانِهِمْ أثور عليهم أحباءهم وَعَنْ شَمائِلِهِمْ أثور عليهم أعداءهم وحسادهم. وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ يعني شجرة المحبة فإن المحبة مطية المحنة فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ على أنفسكما لأن للمحبة نارا ونورا فمن لم يرد نارها لم يجد نورها ومن يرد نارها احترقت أنانيته فيبقى بلا هوية نفسه مع هوية ربه فههنا يجد نور المحبة ويتنور به