كقوله: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة: ٥٤] فشجرة المحبة شجرة غرسها الرحمن بيده لأجل آدم كما خمر طينة آدم بيده لأجل هذه الشجرة، وإنّ منعه منها كان تحريضا له على تناولها فإن الإنسان حريص على ما منع. ولم تكن الشجرة طعمة لغير آدم وأولاده إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أي من أهل السلو كملكين في زوايا الجنة أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ في الجنة كالحور والرضوان فسقاهما إبليس في كأس القسم شراب ذكر الحبيب وَقاسَمَهُما فلما غرقا في لجّة المحنة وذاقا شجرة المحبة بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما أي سوآت نار المحبة قبل نورها وهي نار فرقة الأحبة في البداية وَطَفِقا لاشتعال نائرة المحبة يجعلان كل نعيم الجنة على نارهما، فلما التهبت احترقت بلظى نارها حبة الوصلة ونعب غراب البين بالفرقة.
فبينما نحن في لهو وفي طرب ... بدا سحاب فراق صوبه هطل
وإن من كنت مشغوفا بطلعته ... مضى وأقفر منه الرسم والطلل
وَناداهُما رَبُّهُما نداء العزة والكبرياء أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ فإنها تذل العزيز وتزيل النعيم وتذهب الطرب وتورث التعب والنصب إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ ولكن في عداوته صداقة مخفية تظهر ولو بعد حين.
واخجلتا من وقوفي باب دارهم ... لو قيل لي مغضبا من أنت يا رجل
فانغسل بماء الخجل منهما رعونات البشرية ولوث العجب والأنانية فرجعا عما طمعا فيه ووقفا لديه وعلما أن لا منجا ولا ملجأ منه إلا إليه فقالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا بأن أوقعناها في شبكة المحبة لا المحبة تبقينا بالوصال ولا المحنة تفنينا بالزوال وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا بنوال الوصال وَتَرْحَمْنا بتجلي الجمال لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ الذين خسروا الدنيا والعقبى ولم يظفروا بالمولى. فأمرا بالصبر على الهجر وقيل: اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ النفس عدو القلب والروح، والقلب عدو لما سوى الله وَلَكُمْ للنفس والقلب والرفع في أرض البدن مقام وتمتع في الشريعة باستعمال الطريقة للوصول إلى الحقيقة إلى حين تصير النفس مطمئنة تستحق الخطاب، ارجعي من الهبوط وارفعي بعد السقوط.
إن الأمور إذا انسدت مسالكها ... فالصبر يفتح منها كل ما ارتتجا
لا تيأسنّ وإن طالت مطالبة ... إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا