للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الفعل فأيّ فائدة فائدة في بعثة الرسل وإنزال الكتب؟ أو نقول: لما رجعنا إلى الفطرة السليمة وجدنا أن ما استوى الوجود والعدم بالنسبة إليه يترجح أحدهما على الآخر إلا المرجح، وهذا يقتضي الجبر. ونجد تفرقة ضرورية بين حركات الإنسان الاختيارية وبين حركات الجمادات والحركات الاضطرارية، وذلك يقتضي مذهب الاعتزال فلذلك بقيت هذه المسألة في حيز الإشكال. قلت- وبالله تعالى التوفيق-: عندي أن المسألة في غاية الاستنارة والسطوع إذا لو حظت المبادئ ورتبت المقدمات، فإن مبدأ الكل لو لم يكن قادرا على كل الممكنات وخرج شيء من الأشياء عن علمه وقدرته وتأثيره وإيجاده بواسطة أو بغير واسطة لم يصلح لمبدئية الكل. فالهداية والضلالة، والإيمان والكفر، والخير والشر، والنفع والضر، وسائر المتقابلات، كلها مستندة ومنتهية إلى قدرته وتأثيره وعلمه وإرادته. والآيات الناطقة بصحة هذه القضية كقوله تعالى وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ [النحل: ٩] وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها [السجدة: ١٣] قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [النساء: ٧٨] كثيرة. وكذا

الأحاديث «اعملوا فكل ميسر لما خلق له» «١»

«كل شيء بقدر حتى العجز والكيس» «٢»

«احتج آدم وموسى عند ربهما فحج آدم موسى» «٣» الحديث.

فهذه القضية مطابقة للعقل والنقل، وبقي الجواب عن اعتراضات المخالف. أما حكاية التنزيه عن الظلم والقبائح فأقول: لا ريب أنه تعالى منزه عن جميع القبائح، ولكن لا بالوجه الذي يذكره المخالف إذ يلزم منه النقص من جهة أخرى وهو الخلل في مبدئيته للكل وفي كونه مالك الملك. بل الوجه أن يقال: إن لله تعالى صفتي لطف وقهر، ومن الواجب في الحكمة أن يكون الملك. ولا سيما ملك الملوك، كذلك، إذ كل منهما من أوصاف الكمال ولا يقوم أحدهما مقام الآخر، ومن منع ذلك كابر وعاند. ولا بد لكل من الوصفين من مظهر، فالملائكة ومن ضاهاهم من الأخيار مظاهر اللطف، والشياطين ومن والاهم من الأشرار مظاهر القهر، ومظاهر اللطف هم أهل الجنة والأعمال المستتبعة لها، ومظاهر القهر هم أهل النار والأفعال المعقبة إياها. وهاهنا سر وهو أن اللطف والقهر والجنة والنار إنما يصح وجود كل من كل منهما بوجود الآخر،


(١) رواه البخاري في كتاب تفسير سورة ٩٢ باب ٣- ٥، ٧. مسلم في كتاب القدر حديث ٦- ٨. أبو داود في كتاب السنّة باب ١٦. الترمذي في كتاب القدر باب ٣. ابن ماجه في كتاب المقدمة باب ١٠.
(٢) رواه مسلم في كتاب القدر حديث ١٨. الموطأ في كتاب القدر حديث ٤. أحمد في مسنده (٢/ ١١٠) .
(٣) رواه البخاري في كتاب الأنبياء باب ٣١. مسلم في كتاب القدر حديث ١٣. أبو داود في كتاب السنّة باب ١٦، ١٧. الترمذي في كتاب القدر باب ٢. ابن ماجه في كتاب المقدمة باب ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>