حكيم عليم قادر رحيم. وأيضا ثبت بالدليل أنه تعالى يخلق العاقل أوّلا ثم يخلق السموات والأرض بعده لأن خلق ما لا ينتفع به في الحال يجر إلى العبث. ثم إن ذلك العاقل- ملكا كان أو جنيا- إذا شاهد في كل ساعة وحين حدوث شيء آخر على سبيل التعاقب والتوالي كان ذلك أقوى في إفادة اليقين لأنه يتكرر على عقله ظهور هذه الدلائل لحظة فلحظة. وأما تقدير المدة بستة أيام فلا يرد عليه إشكال لأن السؤال يعود على أي مقدار فرض، وقيل: إن لعدد السبعة شرفا عظيما ولهذا خصت ليلة القدر بالسابع والعشرين. فالأيام الستة لتخليق العالم والسابع لتحصيل كمال الملك والملكوت. فإن قيل: كيف يعقل حصول الأيام قبل خلق الشمس التي نيط تقدير الأزمنة بطلوعها وغروبها؟ فالجواب أن المراد خلق السموات والأرض في مقدار ستة أيام كقوله: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا [مريم: ٦٢] والمراد مقدار البكرة والعشي في الدنيا لأنه لا صباح عند الله ولا مساء. وعن ابن عباس أن هذه الأيام أيام الآخرة كل يوم ألف سنة مما تعدون. والأكثرون على أنها أيام الدنيا لأن التعريف بها يقع. والظاهر أنها الأيام بلياليها لا النهار. ونقول: يمكن أن تحمل الأيام الستة على الأطوار الستة التي للأجسام الهيولى والصورة والجسم البسيط ثم المركب المعدني والنباتي والحيواني والله تعالى أعلم بمراده. أما قوله سبحانه: ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ فحمل بعضهم الاستواء على الاستقرار وزيف بوجوه عقلية ونقلية منها: أن استقراره على العرش يستلزم تناهيه من الجانب الذي يلي العرش، وكل ما هو متناه فاختصاصه بذلك الحد المعين يستند لا محالة إلى محدث مخصص فلا يكون واجبا. ولقائل أن يقول: لم لا يجوز أن يكون الإله تعالى نورا غير متناه ويراد باستقراره على العرش بلا تناهيه إحاطته به من الجوانب ونفوذه في الكل لا كإحاطة الفلك الحاوي بالمحوى، ولا كنفوذ النور المحسوس في الشرف، بل على نحو آخر تعوزه العبارة. ومنها أنه تعالى لو كان في مكان وجهة لكان إما أن يكون غير متناه من كل الجهات أو متناهيا من بعضها دون بعض. وعلى الأول يلزم اختلاطه بجميع الأجسام حتى للقاذورات ومع ذلك فالشيء الذي هو محل السموات، إما أن يكون عين الشيء الذي هو محل الأرض أو غيره، وعلى الأول يلزم أن يكون السماء والأرض حالين في محل واحد فهما شيء واحد لا شيئان. وعلى الثاني يلزم التركيب والتجزئة في ذاته تعالى. وأما إن كان متناهيا من الجهات فلو حصل في جميع الأحياز فهو محال بالبديهة، وإن حصل في حيز واحد فلو كان جوهرا فردا لزم أن يكون واجب الوجود أحقر الأشياء وإلا لزم التبعيض لأن جهة الفوق منه تكون مغايرة لمقابلتها. وكذا الكلام فيه إن كان متناهيا من بعض الجهات، ولو جاز أن يكون الشيء المحدود من جانب أو جوانب