قديما أزليا فاعلا للعالم فلم لا يجوز أن يقال فاعل العالم هو الشمس والقمر أو كوكب آخر؟
وأيضا يصح على الشق المتناهي أن يكون غير متناه وعلى غير المتناهي أن يكون متناهيا، لأن الأشياء المتساوية في تمام الماهية كل ما صح على واحد منها صح على الباقي فيصح النمو والذبول والزيادة والنقصان والتفريق والتمزق على ذاته تعالى فيكون ممكنا محدثا لا واجبا قديما. ولقائل أن يقول: إنه غير متناه ولا يلزم من ذلك أن يكون محلا للعالم ولا حالا فيه، واستصحاب الشيء للمحل غير كونه نفس المحل أو مفتقرا إلى المحل.
وحديث اختلاطه بالقاذورات تخييل لا أصل له عند الرجل البرهاني. ومنها أنه لو كان الباري يتعالى حاصلا في المكان والجهة لكان الأمر المسمى بالجهة إما أن يكون موجودا مشارا إليه أو لا يكون. فإن كان موجودا كان له بعد وامتداد وللحاصل فيه أيضا بعد وامتداد فيلزم تداخل البعدين ومع ذلك يلزم كون الجهة والحيز أزليين ضرورة كون الباري تعالى أزليا ومحال أن يكون ما سوى الواجب أزليا، وإن لم يكن موجودا لزم كون العدم المحض ظرفا لغيره ومشارا إليه بالحس وذلك باطل. واعترض بأن ذلك أيضا وارد عليكم في قولكم:«الجسم حاصل في الحيز والجهة» . وأجيب بأن مكان الجسم عندنا عبارة عن السطح الظاهر من الجسم المحوي وهذا المعنى بالاتفاق في حق الله محال فسقط الاعتراض. ولقائل أن يقول: الجهة مقطع الإشارة الحسية وهذا في حقه محال لعدم تناهيه.
ولم لا يجوز أن يكون المكان خلاء فلا يلزم تداخل البعدين ولو لزم هناك لزم في الأجسام أيضا بل لا بعد هناك ولا امتداد، ولو فرض فلن يلزم منه الانقسام في الخارج، ومنها أنه لو امتنع وجود الباري تعالى بحيث لا يكون مختصا بالحيز والجهة لكانت ذاته مفتقرة في تحققها ووجودها إلى غيره فيكون ممكنا. والجواب ما مر من أن استصحاب المكان لا يوجب الافتقار إليه. ومنها أن الحيز والجهة لا معنى له إلا الفراغ المحض، ولأن هذا المفهوم واحد فالأحياز بأسرها متساوية في تمام الماهية. فلو اختص ذاته تعالى بحيز معين لكان اختصاصه به لمخصص مختار، وكل ما كان فعل الفاعل المختار فهو محدث، فحصوله في الحيز محدث وكل ما لا يخلو عن الحادث فهو أولى بالحدوث فالواجب محدث هذا خلف.
ولقائل أن يقول: ما لا يتناهى لا يعقل له حيز معين ولو فرض لا تناهي الأحياز أيضا فافتقاره إليها ممنوع، وكيف يفتقر الشيء إلى ما تأخر وجوده عن وجود ذلك الشيء والمعية بعد ذلك لا تضر؟ ومنها لو كان في الحيز والجهة لكان مشارا إليه بالحس، ثم إن كان قابلا للقسمة لزم التجزي وإلا لكان نقطة أو جوهرا فردا فلا يبعد أن يقال: إن إله العام جزء من ألف جزء من رأس إبرة ملتصقة بذنب قملة أو نملة. ولقائل أن يقول: لا نسلم أن كونه مع