للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحيز من جميع الجهات المفروضة يستلزم كونه مشارا إليه حسا فإن العقل يعجز عن إدراكه فضلا عن الحس وباقي الكلام لا يستحق الجواب. ومنها كل ذات قائمة بالنفس يشار إليها بحسب الحس فلا بد أن يكون جانب يمينه مغايرا لجانب شماله فيكون منقسما وكل منقسم مفتقر ممكن. قالوا: هذا الدليل مبني على نفي الجوهر الفرد. ومنها لو كان في حيز لكان إما أعظم من العرش أو مساويا له أو أصغر منه والثالث باطل بالإجماع والأولان يستلزمان الانقسام لأن المساوي للمنقسم منقسم وكذا الزائد عليه، لأن القدر الذي فضل به عليه مغاير لما سواه. ولقائل أن يقول: لا نسبة بين الجسم وبين نور الأنوار وتستحيل هذه التقادير.

ومنها أنه لو فرض كونه تعالى غير متناه من جميع الجهات كما يزعم الخصم لزم لا تناهي الأبعاد وإنه محال لبرهان تناهي الأبعاد. ولقائل أن يقول: إن برهان تناهي الأبعاد لا يسلم ولو سلم فلا بعد فيما وراء العالم الجسماني ولا امتداد. ومنها أنه سبحانه لو كان حاصلا في الحيز لكان كونه هناك إما أن يمنع من حصول جسم آخر فيه أو لا يمنع. وعلى الأول كان تعالى مساويا لجميع الأجسام في هذا المعنى، ثم إنه إن لم تحصل بينه وبينها مخالفة بوجه آخر صح عليه ما يصح عليها من التغيرات وإنه محال، وإن حصل بينه وبينها مخالفة بوجه آخر صح عليه ما يصح عليها من التغيرات وإنه محال، وإن حصل بينه وبينها مخالفة من سائر الوجوه كان ما به المشاركة مغايرا لما به المخالفة فيكون الواجب مركبا بل ممكنا.

وأيضا إن ما به المشاركة وهو طبيعة البعد والامتداد إما أن يكون محلا لما به المخالفة أو حالا فيه أو لا هذا ولا ذاك. فإن كان محلا له كان البعد جوهرا قائما بنفسه والأمور التي بها حصلت المخالفة أعراضا وصفات، وإذا كانت الذوات متساوية في تمام الماهية فكل ما يصح على بعضها يصح على البواقي، وكل ما يصح على بعض الأجسام من التفرق والتمزق والنمو والذبول والعفونة والفساد يصح على ذاته تعالى. وإن كان ما به المخالفة محلا وذوات وما به المشاركة حالا وصفة فذلك المحل إن كان له أيضا اختصاص بحيز وجهة فيجب افتقاره إلى محل آخر لا إلى نهاية وإلا كان موجودا مجردا فلا يكون بعدا وامتدادا هذا خلف. وإن لم يكن حالا ولا محلا كان أجنبيا مباينا فتكون ذات الله تعالى مساوية لتمام الأجسام في الماهية ويصح عليه ما يصح عليها هذا محال، وعلى التقدير الثاني- وهو أن ذاته تعالى لا تمنع من حصول جسم آخر في حيزه- لزم سريانه في ذلك الجسم وتداخل البعدين كما مر والكل محال، فالمقدم وهو كونه تعالى في حيز محال.

ولقائل أن يقول: كون البارئ تعالى مع الحيز مغاير لكون الجسم في الحيز فأين الاشتراك؟

ولو سلم فالاشتراك في اللوازم لا يوجب الاشتراك في الملزومات فمن أين يلزم التركيب؟

قوله: «فإن كان محلا له كان البعد جوهرا قائما بنفسه» قلنا: كون البعد جوهرا قائما بنفسه

<<  <  ج: ص:  >  >>