للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حق، ولكن الملازمة ممنوعة، وكذا قوله: «الأمور التي بها حصلت المخالفة» أعراض وصفات لجواز قيام العرض بالعرض كالبطء والسرعة القائمين بالحركة، قوله: «وإلا كان موجودا مجردا فلا يكون بعدا» ممنوع لما قلنا من احتمال وجود بعد مجرد بلا وجوبه، والكلام في سريانه في الموجودات قد مر. ومنها أنه لو كان في حيز فإن أمكنه التحرك منه بعد سكونه فيه كان المؤثر في حركته وسكونه فاعلا مختارا، وكل فعل لفاعل مختار فهو محدث وما لا يخلو عن المحدث أولى بأن يكون محدثا وإن لم يمكنه التحرك منه كان كالزمن المقعد العاجز وذلك محال. وأيضا لا يبعد فرض أجسام أخرى مختصة بأحياز معينة بحيث يمتنع خروجها عنها فلا يمكن إثبات حدوث الأجسام بدليل الحركة والسكون والكرامية يساعدون على أنه كفر. ولقائل أن يقول: إن الحركة والسكون من خواص الأجسام المفتقرة إلى أحياز، فأما النور المجرد فلا يوصف بالحركة والسكون وإن كان مع الحيز والمتحيز. سلمنا وجوب اتصافه بأحدهما فلم لا يجوز أن لا يمكنه التحرك لا لكونه زمنا مقعدا ولكن لأنه نور غير متناه لا يصح وصفه بالتخلخل والتكاثف ونحو ذلك، فتستحيل عليه الحركة لأنها موقوفة على شغل حيز وتفريغ حيز آخر، ولأن العالم النوراني الذي لا نهاية له مملوء منه فكيف يتصور خلو حيز عنه؟ ومنها أنه لو كان مختصا بحيز فإن كان لطيفا كالماء والهواء كان قابلا للتفرق والتمزق، وإن كان صلبا كان إله العالم جبلا واقفا في الحيز العالي، وإن كان نورا محضا جاز أن تفرض هذه الأنوار التي تشرق على الجدران إلها. وأيضا إن كان له طرف وحدّ فإن كان ذا عمق وثخن كان باطنه غير ظاهره وإلا كان سطحا في غاية الرقة مثل قشرة الثوم بل أرق منها ألف ألف مرة. قلت: إن أمثال هذه الكلمات لا تصدر إلا عمن لا يفرق بين النور المعقول والنور المحسوس، والجوهر المجرد والجوهر المادي، والشيء القائم بذاته والمفتقر إلى غيره. ومن العجب العجاب أن هذا المستدل قد سمع من جمهور العقلاء أن الأجرام الفلكية لا تطلق عليها الصلابة واللين، وإذا جاز أن يكون في أنواع الأجسام نوع لا يمكن أن يتصف بهذين المتقابلين لأن ذلك الموضع.

أجل وأشرف من أن يتصف بأحدهما، فلم لا يجوز أن يكون فيما هو أشرف من ذلك النوع شيء لا يتصف بهما؟! ومنها لو كان إله العالم فوق العرش لكان مماسا للعرش أو مباينا له ببعد متناه أو غير متناه. وعلى الأول فإن لم يكن له ثخن كان سطحا رقيقا كما مر، وإن كان له ثخن فالمماس مغاير لغير المماس ويلزم تركيبه، وإن كان مباينا ببعد متناه فلا يمتنع أن يرتفع العالم من حيزه إلى أن يماسه ويعدو الإلزام المذكور، وإن كان مباينا ببعد غير متناه لزم أن يكون غير المتناهي محصورا بين الحاصرين، ولقائل أن يقول: المباينة والمماسة من

<<  <  ج: ص:  >  >>