خواص الأجسام وإنه تعالى نور مجرد محض فلا يصلح عليه الاتصال والانفصال والتماس والتباين والتداخل وأشباه ذلك. ومنها أن الاستقراء قد دل على أن الجرمية كلما كانت أقوى كانت الفاعلية والتأثير أضعف وبالعكس، ولهذا كان تأثير الأرض أقل من تأثير الماء، وتأثير الماء من تأثير الهواء، وتأثير الهواء من تأثير النار بالإحراق والطبخ، وتأثير النار من تأثير الأفلاك المؤثرة في العنصريات. ثم إنه لا قدرة ولا قوة أشد من قدرة الواجب لذاته فيكون بريئا من الحجم والجرم والكثافة والرزانة. قلت: في الاستقراء نزاع إنه صحيح تام أولا، ولكن لا نزاع في أن واجب الوجود تعالى شأنه بريء عن الحجمية والكثافة وعن كل شيء يقدح في قيوميته. وهاهنا حجج قد أوردت في أوائل سورة الأنعام في تفسير قوله سبحانه:
وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ [الأنعام: ١٨] وقد عرفت ما عليها فهذه حجج عقلية عول عليها الإمام فخر الدين الرازي رضي الله عنه في تفسيره الكبير، وقد أوردنا عليها ما كانت ترد من المنوع والاعتراضات لا اعتقادا للتشبيه والتجسم أو تقليدا لأولئك الأقوام بل تشحيذا للذهن وتقريبا إلى المعارف والحقائق وجذبا بضبع المتأمل في المضايق والمزالق فليختر المنصف ما أراد والله الموفق للرشاد. ولعل هذا المقام مما لا يكشف المقال عنه غير الخيال والله أعلم بحقيقة الحال. ثم قال رضي الله عنه: وأما الدلائل السمعية فكثيرة منها قوله تعالى:
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: ١] والأحد مبالغة في كونه واحدا والذي يمتلىء منه العرش ويفضل عن العرش يكون مركبا من أجزاء فوق أجزاء العرش وذلك ينافي كونه أحدا.
وأجيب بأنه ذات واحدة حصلت في كل الأحياز دفعة واحدة، وزيف بأن هذا معلوم الفساد بالضرورة لو جاز ذلك فلم لا يجوز أن يقال جميع العرش إلى ما تحت الثرى جوهر واحد وموجود واحد إلا أن ذلك الجزء الذي لا يتجزأ حصل في جملة الأحياز فظن أنه أشياء كثيرة. قلت: وهذه مغالطة فإن هذا الجزء الذي لا يتجزأ لصغره غير الشيء الذي لا يقبل التجزئة والانقسام لذاته. وأيضا المتحيز الذي مقداره ذراع في ذراع لا يشغل بالبديهة حيزين كل منهما ذراع في ذراع فلزم منه أن لا يشغل ذينك الحيزين متحيز مقداره. ضعف ذلك على أن الحق ما عرفت مرارا أن نور الأنوار قيوم في ذاته حاصل في جميع الأشياء لا منفصل عنها انفصال المحيط عن المحاط، ولا متصل بها اتصال العرض الساري في الأجسام، ولهذا لا يلزمه بانقسامها الانقسام. ومنها قوله: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ [الحاقة: ١٧] ويلزم منه أن يكون حامل العرش حاملا للإله. والجواب أنك إن سميت المعية حملا فلا نزاع. ومنها قوله: وَاللَّهُ الْغَنِيُّ [محمد: ٣٨] فوجب أن يكون غير مفتقر إلى المكان والجهة، والجواب أن الاستصحاب غير الافتقار. ومنها أن فرعون